يؤم مقام الشيخ كوكو في صعيد مصر من هو بحاجة لأن يظله الشيخ بكرامة من كراماته، وتتعدد الأسباب التي تدفع الناس لزيارة المقام، فمنهم من يفعل ذلك بحثاً عن شفاء من مرض سكن جسده وعجز الأطباء عن علاجه، وأخر جاء إليه طمعاً في أن يغدق الشيخ عليه بالرزق الوفير وأن يرزقه من حيث لا يحتسب، ومنهم من ضاقت به الدنيا فجاء يطرق بابه عل الدنيا تنفرج أمامه وتفتح له ذراعيها وتمده بسعادة يزيح بها هماً وغماً تشبثان بجلبابه، وتلجأ إليه امرأة لعل الشيخ يتكرم عليها بذرية صالحة بعد أن أتعبها عقم لا تعرف إن كانت هي سبباً فيه أم زوجها، تعددت أسباب تدافع الناس لزيارة المقام وإن تلاقت عند سعيهم لأن يمن الشيخ عليهم بكرامة من كراماته تذهب عنهم البأس والشقاء وتجلب لهم الغبطة والسرور.
الغريب في أمر الشيخ كوكو أن لا أحد يعرف هويته ولا تاريخه ولا من أين جاء وما الذي فعله كي يحظى بهذه المكانة، ولا أحد حتى يعرف إن كان شيخاً جليلاً رفع العمل الصالح شأنه أم أنه أشعث أغبر ممن إذا أقسم على الله أبره دون أن يفك أحد سر العلاقة بينه وبين خالقه، لكن الأهم هل كراماته كانت حقيقة منحه الله إياها أم أنها مجرد أساطير لازمت شخص مجهول الهوية والمعرفة، يبقى أن الشيخ كوكو، رغم التنافر بين مصطلح الشيخ ولقب كوكو، له الكثير من المريدين والمحبين يسردون من قصص كراماته ما تتفوق به عن الكثير من الأساطير الإغريقية، ويدافعون عنه بشراسة ويحذرون في الوقت ذاته من غضبه ونقمته التي يمكن لها أن تأتي بالويل والثبور وعظائم الأمور، والأمر لا يتعلق بالمريدين وحدهم بل ينضم إليهم المرتزقة الذين نصبوا من أنفسهم وسطاء بين الناس والشيخ ووجدوا في ذلك ما يعتاشون منه.
وتزداد حكاية الشيخ كوكو غرابة حين قرر المحافظ ، قبل ثورة يناير بأسابيع قليلة، أن يزيل المقام وينقل الرفات لتوسعة الطريق لفض الإختناق المروري، حينها إحتشد الناس ليروا كيف سيدافع الشيخ عن مقامه، لم يساور الكثير منهم الشك بقدرة الشيخ على تعطيل الأمر، كأن يلحق العطب بالآلية التي جاءت لتهدم المقام أو أن يصيب السائق بشلل يقعده عن الحركة، أو لربما خص الشيخ إنتقامه صاحب قرار الإزالة فأصابه بإعاقة تلازمه حتى مماته، لم يحصل شيء من ذلك بل أن المقام لم يكن به رفات أحد، رغم ذلك لم ينكفيء المريدون على ذاتهم بل أنهم عكفوا على الجهر بالقول بأن الإنتقام آت لا محالة، ووجدوا في ثورة يناير بعدها بأسابيع ضالتهم حيث إنتقام الشيخ كوكو طال النظام بأسره.
ما يهمنا في حكاية الشيخ كوكو أن الأمر لا يتعلق بمجتمع صغير تسوقه الخرافة، بل أن الكثير منا يعيش بإرادته وبكامل قواه العقلية في جلباب الشيخ كوكو وإن كان بطقوس مغايرة وبإسلوب منمق، لم تحصنا الثقافة من تلك الآفة حين أمسكت المصالح الذاتية بناصية أصحابها وقادتهم إليها، كم من سنوات عشناها في كنف كذبة لم نحاول أن نعتق أنفسنا منها وتحولنا بملك إرادتنا لأدوات في الدفاع عنها، ألم يلتحق الكثير منا بجوقة تطبل وتصفق للشيء وتقيضه طالما الأمر يتعلق بما يصدر عن السلطان وحاشيته؟، إن قررت القيادة وقف كافة أشكال التعامل مع الاحتلال وقطع العلاقة معه صغيرها وكبيرها وصفنا القرار بالتاريخي ومنبعه الوطنية الصادقة التي لا تشوبها شائبة، وإن عادت القيادة وذهبت إلى العقبة وبعدها إلى شرم الشيخ خلقنا من الدهاء السياسي والمصلحة الوطنية مبرراً لها، وأن صدع البعض بوابل من التهديد والوعيد وزلزلة الأرض تحت أقدام الاحتلال صدقناه ليقيننا بقدرة الشيخ كوكو في الدفاع عن مقامه، وخشية من غضب وسخط وقطع الراتب أظهرنا ما طاب من الولاء والإنقياد لإرادته، وإلتزمنا الصمت حيال فساد ضرب بأطنابه الأرض خشية أن يمس الكلام من حيث لا نحتسب أولياء الله الصالحين، لسنا بحاجة لجلب المزيد من المقارنة كي ندرك أننا نعيش في جلباب الشيخ كوكو وأقصى أمانينا أن يمن علينا بشيء من كراماته.