بعد مجيء الحكومة اليمينية الحالية بقيادة نتنياهو والتصريحات الرسمية تتسم بالتهديدات والوعيد وحسم الصراع لم تقف عند حد معين، ومنذ استلامها دفة الحكم وهي مصرة على التصعيد سواء في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، لتثبيت معادلة ان الأرض لهم وانهم الشعب المختار .
واخر هذه الاعتداءات الهمجية التي كانت مقصودة وبشكل متعمد وهي الاعتداء على المسجد الأقصى والمصلين رغم وعودات الاحتلال بالالتزام في حالة الهدوء في الضفة الغربية والقدس الا انه يتنصل من تنفيذ وعوداته ويصعد في هجومه على القدس وباوامر سياسية من اعلى الهرم في الحكومة لتصدير أزمته الداخلية وتوحيد صفوف اليمين في بوتقة استكمال المشروع الأصولي الفكري اللاهوتي من خلال التصعيد في القدس الذي فاق الخطوط الحمراء، وكان الاحتلال قاصدا في ذلك لانه يعلم تماما ان شرارة تفجير الأوضاع تبدأ من القدس لتخفيف وطأة تواجد المعارضة من التجمهر في الشوارع ضد الإصلاحات القضائية.
لكن تفاجأ الاحتلال ان الرد على انتهاك الحرم القدسي لم يأتي من غزة التي يعتبرها الجبهة الأضعف وبامكانه تصدير أزمته الداخلية بسهولة وتحقيق هدفه وهو توحيد المعارضة والحكومة الائتلافية ضمن سياق واحد.
تفاجأ الاحتلال ان الرد جاء وهو الأصعب امنيا وعسكريا من جبهة جنوب لبنان وهو ما جعل المؤسسة الأمنية والعسكرية تتخبط في خروج توصيات وظهور خلافات بين المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية لإقرار قرارات اما قرارات تصعيدية وهذا خيار صعب على الاحتلال باتخاذ قرار الحرب الشاملة وقوية لانه سيدخل فيها عدة أطراف وسيوحد الجبهات والساحات لذا اتخذ الاحتلال الرد المحدود سواء على قطاع غزة او بعض مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان وهذا الرد المحدد تم اتخاذه من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية لرفع العتب وإرسال صورة ذهنية لدى الشارع الإسرائيلي بانه قادر على اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة ضد مواقع المقاومة وان كانت الحكومة تعيش أزمات مضطربة داخلية وهذا ما يريده نتنياهو ان يعزز صورته امام الجمهور الإسرائيلي وإعادة بناء الثقة به وبحكومته بعد ظهور معلومات من استطلاعات الرأي تشير إلى تراجعه وتراجع حكومته.
لذا أقر الكبينت بتوصيات بالرد الدقيق والمحدد ضد مواقع المقاومة وبالتحديد الفلسطينية سواء في غزة او جنوب لبنان وجني ثمن باهظ وإنهاء موجة الردود دون الانجرار لحرب شاملة .
هذه التوصيات تشير إلى أن الاحتلال لا يريد حرب شاملة تلحق به المخاسر امام عدم جهوزية المحتل بالدخول في حرب متعددة الجبهات بالإضافة إلى أن الأزمة الداخلية وعدم استقرار حكومة نتنياهو ما زالا الخطر المحدق لدى مستقبل نتنياهو لذا اختار الضربة المحددة.
لكن الأخطر من ذلك هو توصية الثمن الباهظ وهذا يعني رغبة المحتل في اغتيال شخصية بارزة في المقاومة ولها اليد الطولى في إطلاق الصواريخ سواء في جنوب لبنان أو قطاع غزة.
إن الاحتلال فعلا يعيش في أزمة مركبة سواء من تصاعد المقاومة وبالتحديد ان ما يحدث في القدس ترد عليها المقاومة في كل أنحاء تواجدها وبالتحديد العمليات الفردية في الضفة الغربية التي تقلق المحتل لعدم قدرتهم على معرفة حدوثها وضربها بعملية استباقية.
والأمر الآخر ان الاحتلال يعيش أزمة داخلية مركبة أفقية وعمودية داخل المجتمع الاسرائيلي واغلب القرارات التي تخرج من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية تخرج دون توافق وهذا يعني أن عملية خروج تقدير الموقف لعدم توفر معلومات شاملة عن عمليات المقاومة اين ستحدث ومتى غير متوفرة.
كما أن الاحتلال يعيش أزمة إقليمية بعد تغير وجهة الدول العربية من حالة الضياع إلى حالة ترتيب أوراقه لتعزيز التعاون فيما بينها بعيدا عن إسرائيل وبالتحديد بعد الاتفاق السعودي والإيراني وما سيلحقه من تغيرات لصالح الدول المتوافقة.
كما أن الاحتلال بدا يلحظ التغيرات في النظام الدولي وهو ما سيلحق بتغيرات سلبية عليه نظرا لتغير الأولويات في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد ان أميركا بدأت الانسحاب المرحلي من المنطقة.
إن هذه الأزمات الداخلية والإقليمية والدولية لدى إسرائيل لا يشجعها للدخول لحرب شاملة قبل ترتيب أوراقها الداخلية وتعزيز جبهتها الداخلية وتعزيز وضع الإقليم لصالحها والتأكد ان أميركا ما زال دعمها مستمر كما هو دون تغيير.
لذا جاء ردها محددا لخلق ردع امام الوجود الفلسطيني رغم ذلك الا ان هذا بحاجة لحذر كون الرد المحدد يلحقه ردا اشمل بعد ترتيب أوراق المحتل بعد يقينه ان جهوزية المقاومة قادرة على التعامل مع اي طارئ مستقبلي وجاهزة للتصدي في اي وقت وامام قدرة المقاومة على رسم قاعدة اشتباك تربك العدو من عدة جبهات.
فصواريخ الحكومة الحالية صواريخ شحن للشارع الإسرائيلي نحو دعم الحكومة الحالية وتفريغ فشلها نحو ضربات محددة ضد مواقع المقاومة.
إن الحكومة الحالية لا تخفي ميولها التطرفية وتسعى نحو التصعيد المتهور وهي تعطي الضوء الأخضر للمستوطنين نحو الهجوم على الفلسطينيين لتثبيت أركان يهودية الدولة وهذا ما يريده المحتل تحويل صراع القدس من صراع وجودي إلى صراع ديني لتثبيت هوية الدولة العبرية ضمن شرائع تلمودية.
إن مجمل المشهد بات يؤكد أن استراتيجية وحدة الساحات باتت تدريجيا تظهر على أرض الواقع وان ترابط الوجود الفلسطيني داخل وخارج فلسطين بات مفعلا وبات ظهور معادلة جديدة وهي المعركة عنوانها تعدد الجبهات امام استمرار الاحتلال في فرض واقع بتغيير الوضع الراهن سواء في الضفة الغربية والقدس لذا يسعى الاحتلال قدما نحو تفكيك معادلة وحدة الساحات.
القدس قضية مركزية توحد الساحات الفلسطينية والدفاع عنها امام تنفيذ الاحتلال لمخطاطاته بتقسيم الحرم القدسي مكانيا وإيجاد حيزا للمستوطنين لإقامة الطقوس الدينية بات من الصعب تنفيذه امام صمود الشعب الفلسطيني.
وإن تنصل المحتل من إعطاء الشعب الفلسطيني الحقوق السياسية الوطنية فإن حالة الصراع ستستمر وان خطة حسم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لن تنجح امام جبهة متعددة الساحات.