الكتابة عن شخصية قائد مثل ابوجهاد، هي واحدة من اعقد المهام، فشهادات الاغلبية ممن عاصروه وعاصرو الثورة الفلسطينية، اقروا ان ابوجهاد الوزير معرفا بذاته، وان اسمه دال عليه وعلى صفاته، فهو لا يحتاج الى توصيف او تعريف، لكن من اجل الاجيال القادمة، وبعد مرور اكثر من ثلاث عقود على اكبر عملية اغتيال نفذتها اسرائيل في الخارج، شارك فيها خمسة الاف جندي، وست قطع بحرية، ووحدات الاغتيال سيرت ميتكال، بقيادة موشيه يعلون، ورئيس الاستخبارات في حينه ايهود باراك، كان لزاما علينا ان نستذكر هذا القائد على الدوام، فابوجهاد ليس اسما ولا صورة، وليس نبيا ولا اسطورة، ابوجهاد قائد الانتفاضة الاولى وروحها الباقية.
جياب الثورة الفلسطينية وقلعة الكفاح المسلح
الغقل المدبر والمفكر والصانع لكثير من اشراقات العمل المسلح البطولي، ولم يكن ينسب اي انتصار الى نفسه على الاطلاق، وانما كان ينسبه الى الثورة الفلسطينية
رمز التحدي والنضال والعطاء منذ اشراقات العمل الثوري، وكل الخيوط كانت تنتهى عنده، كان رجل وحده وطنية بلا حسابات صغيرة او شخصية، متحد كليا في شخصيته، فكان اخ للجميع واب للجميع لانه بالفعل كان قائدا عبقريا خلاقا، كان قريب الشبه بجيفارا الثوري والانسان المتواضع
رجل حوار من الطراز الاول، واسع الافق، يرفض الراي المسبق، او القرار غير المدروس على ارض الواقع
كان صاحب رؤية ترتكز على ان الصراع على فلسطين هو نقطة الارتكاز المحورية في الصراع العالمي
ورغم تعصبه الوطني لقضيته فلسطين، فانه لم يغفل عن البعد العالمي للقضية الفلسطينية وترابطها العضوي مع قضايا حركات التحرر العالمي، وهذا اتاح له فرصة تجاوز التنميط الايدولوجي، فاتسعت تجربته الى افق لم يدرك، فاصبح رجل الحرب، الذي اعتمد العنف المسلح بشكل اساسي في تجربته كقاعده، لا بديل عنها في الصراع مع العدو، لانه كان يعتبر استمرار الاحتلال باعتباره قمعيا وحشيا يكفي وحده لمشروعية الكفاح المسلح، ومواجه هذا الاحتلال والقضاء عليه.فلا يمكن مواجه العنف الصهيوني الا بعنف متقدم وارقى منه حضاريا، ومن هنا رسم نهج "لنستمر في الهجوم"، كامتداد للكفاح المسلح منذ تفجير خزان زوهر عام 1955, ونسف فندق السافوي الذي قتل فيه عشرون اسرائيليا عام 75م، وتفجير الثلاجة المفخخة بالقدس، وعملية قتل البرت ليفي كبير خبراء المتفجرات ومساعده في نابلس، ومحاولة اسر رابين بعملية الانزال لعشرون فيدائي بقيادة دلال النغربي التي قتل فيها 27 صهيونيا عام 78م، وعملية الدبويا في الخليلزعام 1980, وعملية اسر ثمانية جنود اسرائيليين في لبنان، ومبادلتهم بخمسة الاف اسير فلسطيني عام 82م، وعملية اقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور، واودت بحياة 76 ضابط وجندي اسرائيلي عام82، وصولا الى العملية الاخطر في ديمونا عام 88, والتي قتل فيها ثلاث خبراء صهاينة يعملون في مفاعل ديمونة.
هذا هو ابوجهاد منهج وخط سياسي وتجربه ثورية، وهو الان اكثر من اي وقت مضى يشعل فينا الحنين لقيادات فتح قيادات الثورة الفلسطينية، الذين التصقوا مع الجماهير في الشوارع والازقة والكروم والبيارات، في الجامعة والمعتقل وخلف المتراس، وكانوا رأس الحربة في جولات القتال، يرفعوا معنويات المقاتلين في حصار بيروت، وقلعة الشقيف، واحراش جرش ودبين وعجلون، وحمام الشط ويحتضنوا عوائل الشهداء، كانوا مثالا في الثبات على المبادئ والتفاني المطلق للشعب والثورة.
في هذه الذكرى ال 35 لرحيل امير ابشهداء، الذي ترك خلفه مدرسة الانجاز والعمل، سيبقى حيا شامخا فوق ربى فلسطين وفي قلوب وعقول كل ابناء شعبنا العظيم.