التنصل ظاهرة محلية وعالمية..
التنصل من أو عن الدور أو التخلي عن المسؤولية والمهام كظاهرة اجتماعية وسلوكية استغرقت وقتاً لتصبح ظاهرة كما نرى سلبية أثرها العام في الشكوى والتذمر والكذب والتسول والابتزاز والتعدي لأن التنصل هو حالة ضعف يحدث فراغا بمكان ما سيملؤه بالتأكيد التعدي على ما كان قائما من قيم أو قواعد للسلوك والأدوار والتوازن المجتمعي...
وبمعنى آخر التنصل هو انسحاب جزئي قد ينتهي في الغالب وباستمرار المؤثر إلى انسحاب كامل. وأفضل مثال في وضعنا الفلسطيني على الانسحاب الكامل هي الهجرة وأفضل مثال للانسحاب الجزئي هو عدم المشاركة للخلاص مما نعيشه من معاناة في كل شيء.
نتحدث اليوم عن ظاهرة "التنصل" التي تعاكس الالتزام أو التمسك بالشيء بدءً من العلاقات ومروراً بالعادات وليس انتهاءً بالسلوكيات.
إذا بدأنا بالمجتمع المحلي فظاهرة "التنصل" تكاد تكون واضحة للمتتبع الاجتماعي الذي يرصد تغير حركة وقيم المجتمع وتتجلى علاماتها على مستوى مكونات المجتمع الثلاث:
١- السكان (الأسرة ، العائلة ، القبيلة، الأقارب ، الجيران، الحارة، الأنسباء، الأصدقاء ، الزملاء، الشركاء ، وباقي بني آدمين المجتمع)
٢- البيئة( الضلع الأول (الطبيعية) كالجغرافيا والمناخ وخصائصها ومكوناتها البيئية وضلعها الثاني الأهم وهو (الثقافة الاجتماعية culture) لجماعة الناس الذين يقيمون سويا في القرية أو المدينة أو الدولة) والتي تؤثر وتتداخل معهم وعليهم :
٣- النظم والمؤسسات الاجتماعية والحكومية وغير الحكومية : وهي مجموعة الأجهزة التي تؤثر على النشاط الاجتماعي والوظائف الاجتماعية للسكان.
وعليه نذهب للعلاقات الاجتماعية كعمليات وتفاعلات تنتج عن تفاعل الأفراد والنظم في البيئتين الطبيعية والاجتماعية التي تغير المجتمع وتنتج هذه الظواهر السلبية مثل (التنصل والانسحاب)،
وعليه نقول هناك تنصل من المسؤوليات من البيئة الطبيعية والاجتماعية والخدماتية وغياب عدالة التوزيع وانتهاك للحقوق وغياب للنظام والقانون كما يظهر:
أولًا: نقصان أو غياب السيادة والسيطرة بطريقة مباشرة أي تحت الاحتلال المباشر او يتحكم بها الاحتلال بطريقة غير مباشرة.
ثانيًا: انقسام مجتمعي فلسطيني عام عمودي وأفقي، وصراع على الحكم والسلطة وحلب منافعها، دون إمكانية التحرر.
ثالثًا: انقسامات داخلية حزبية وحركية داخلية
النتيجة:
- تنصل المواطن من دوره في العلاقات الأسرية والعائلية والمعارف والأصدقاء والجيران وأهمها التنصل من دوره الاجتماعي والسياسي في مواجهة الظلم حتى وصل التنصل لمسافات بعيدة بين أفراد مجتمعنا بشكل عام ودخلنا في مجتمع الكراهية والانسحاب.. تلك أزمة أخلاق
- تنصل الأحزاب من دورها الحقيقي لأن دورها الحقيقي ليس هو ما تفعله منذ ثلاثة عقود لان عملهم يوصف بالذاتي المعيب الذي لا يهتم بالصالح العام ومعاناة الناس والدفاع عنها .. وتلك أزمة أخلاق ونظام.
- تنصل الحكام من مسؤولياتهم وإسقاط عجزهم على الآخرين .. تلك أزمة أخلاق
- انسحاب كثيرون من دورهم ومهامهم بأشكال متعددة منها الذاتي ومنها الموضوعي ومنها الاضطراري ومنها الجبري ومنها الشللي والتآمري .. هذه أزمة أخلاق ونظام.
- دوران في دائرة مغلقة، المواطن يتنصل من دوره والموظف يتنصل من مهامه والمؤسسة تتنصل من دورها والحاكم يتنصل من دوره والطفيليات تطفو على السطح تستغل الفراغ وتجمل صورتها في كل مكان ولا أحد يعترف عن دوره في الخراب، لا فرد ولا حزب ولا حاكم وهذا يطرح سؤال من أين أتى هذا الخراب؟
ملاحظات في السياق:
- تنصلت الفصائل من الاعتراف بعملياتها وتركتها لعمليات فردية، ومادامت العمليات الفردية في النهاية تجلب حرب تضربون بها كم كبير من الصواريخ فلماذا العمل الفردي مادامت النتيجة واحدة .. وقد يصل التنصل للفردي للانسحاب من العمل رويدا رويدا أليس كذلك؟! هذا الخليط غير مفيد يا كل النضال فردي يا كل النضال حروب ما دمتم تمتلكون القوة للحرب .. هذا الخلط لا ينتج استقلال بل يطيل معاناة الشعب.
- تنصلت رام الله من العسكريين بالتقاعد المبكر وتنصلت من مسؤولياتها بقطع رواتب البعض وقد تصل للانسحاب من دورها المسؤول تجاه قطاع غزة.
- تنصلت أمريكا عن مهمتها وتركوا أوكرانيا تحارب بالنيابة عن حلف الناتو وفي جانب آخر تنصلت أطراف الحرب في اوكرانيا من سلاحها وتركت المعركة للمسيرات بادعاء انخفاض تكاليفها وقد تصل الأطراف للانسحاب من دورها رويدا رويدا من الحرب إلى طاولة المفاوضات.
- تنصلت الحكومة الإسرائيلية من دور الحرب الموسعة وقدمت رشاوي العمل وتوصيل الأموال لقطاع غزة وتآكل ردعها على خلفية عدم فتح جبهات حربية أخرى غير أوكرانيا للولايات المتحدة وحلف الناتو.
- تنصلت فرنسا والولايات المتحدة من دورها لإعادة رئيس النيجر رجلهم المخلوع وتركت مجموعة لشن الحرب على النيجر وقادتها الجدد على اعتبار أن مجموعة إيكواس هم عملائها للقيام بالمهمة ووصل الجميع فعلا للانسحاب من المعركة حيث قلنا التنصل من الدور قد يوصل صاحبه للانسحاب.
- تنصل حزب الله كشريك لسوريا من دوره في الرد على غارات الطيران الإسرائيلي المتواصلة على سوريا وتطور التنصل لنصب خيمتين في منطقة الغجر وقد يصل حزب الله للانسحاب من دوره في المقاومة رغم ما يطلقه حسن نصر الله من تهديدات مزمنة بلا طحين.
- تنصلت تركيا من دعم الإخوان وتسهيل عمل داعش في العراق وسوريا وتنصلت من معاداتها لإسرائيل فانسحبت من دورها في احتضان الاخوان وأعادت العلاقات مع اسرائيل والدول العربية.
- والأمس القريب مع انتصار الرأسمالية تنصلت الدول والحكومات من دورها الخدماتي في كثير من المجالات كان أبرزها بيع القطاع العام وخصخصة قطاع الماء والكهرباء والاتصالات أو ما سموه الخصخصة، وإذا ما انتصر العلمانيون الرأسماليون فقد تنسحب الحكومات من خدمات الصحة والتعليم.
بداية الرقص حجلان وبداية الانسحاب من الدور والمهمات هو التنصل رويدا رويدا.