ستبقى خطةُ الهجوم العسكرى الذى شنته المقاومة الفلسطينية وفاجأت إسرائيل، موضعًا للنقاش حول جوانبها المختلفة، خاصةً كيفية الإعداد لهذا الهجوم المُتقن. وتُثار فى هذا النقاش، وما يتخلله من جدالات، أسئلةُ عدة لعل من أهمها السؤال عما إذا كان الهجوم حدث استباقًا لعدوانٍ إسرائيل كان قيد الإعداد، أم سعيًا إلى إعادة قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام العالمى بعد أن صارت نسيًا منسيًا أو كادت.
وعندما نتأمل المشهد عشية ذلك الهجوم، نجد أن رواية الهجوم الاستباقى تفتقر إلى شواهد كافية. طبيعة الهجوم ودقته تفيدان بأن الإعداد له استغرق فترةً طويلة، وأن قيادة حركة حماس استفادت من خبرة حرب 1973, واعتمدت خطةً للخداع فوجهت رسائل متعددة ومتنوعة أفادت بأنها معنيةُ بتحسين الأوضاع فى القطاع، وليس خوض مواجهة جديدة. وكان السماح بزيادة عدد العمال الغزيين فى إسرائيل إلى نحو 18 ألفًا مؤشرًا إلى ابتلاع الطُعم. ولكن الرسالة الأكثر تأثيرًا كانت امتناع كتائب القسام عن الانضمام إلى سرايا القدس فى معركة الأيام الخمسة فى مايو الماضى التى بدأت بضربةٍ صاروخية ضد إسرائيل ردًا على استهداف بعض قادة حركة الجهاد فى الضفة الغربية. فقد اكتفت حركة حماس بمشاركةٍ شكلية من خلال الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
وكثيرةُ الدلائل على أن خطة الخداع حقَّقت نجاحًا كبيرًا، وأتاحت فرصةً للإعداد للهجوم فى هدوء، وجمع معلومات دقيقة عن القواعد العسكرية فى منطقة غلاف غزة، ومباغتة القوات الموجودة بها، وهى فى حالة استرخاء، بعد أن قللت قيادة جيش الاحتلال أهمية معلومات استخباراتية عن رصد تحركات فى القطاع قبيل الهجوم، واعتبرتها أعمالاً روتينية.
والأرجح أن هدف الهجوم كان «محض عسكرى»، وأنه استهدف فرقة غزة العسكرية (الفرقة 143 فاير فوكس)، والوحدة 8200 (أدريم) المتخصصة فى شئون التجسس بما فى ذلك تجنيد عملاء فى غزة، إلى جانب مقر جهاز الأمن الداخلى شاباك فى قاعدة نتسريم العسكرية.
ولكن ربما كان إنجاز الأهداف العسكرية المُحدَّدة بسهولةٍ وسرعةٍ لم تكونا متوقعتين هو ما دفع المقاومين المُهاجمين إلى دخول المستوطنات، والسيطرة على بعضها وأسر مدنيين منها.