لا يُعلن جيش الاحتلال الصهيونى خسائره كاملة فى غزة. يؤجل إعلان البيانات الكاملة عنها لأطول وقتٍ ممكن، وغالبًا حتى انتهاء العدوان.
الفرقُ كبيرُ بين الأرقام التى يُعلنها الناطق باسم الجيش فجر كل يوم، وما تنشره الصحف العبرية الأكبر فى بعض الأحيان اعتمادًا على مصادر فى المستشفيات التى يُنقل إليها الجرحى وجثث القتلى. المستشفيات مُلزمة بعدم كشف البيانات المتعلقة بالجرحى والقتلى فى صفوف القوات النظامية فقط. ويستطيع مسئولون فيها الرد على أسئلة يتلقونها بشأن الخسائر فى صفوف قوات الاحتياط.
وإذا مُنع نشرُها تستطيع الصحيفة اللجوء إلى القضاء إذا أرادت. لكن من الخسائر ما يتعذر تأجيل إعلانه فى حينه، خاصة عندما لا يكون ثمة بديل من سحب كتيبة كاملة من الخدمة. فقد سُحبت الكتيبة 13 التابعة للواء النُخبة جولانى (كتيبة جدعون) بعد أن فقدت أكثر من 20% من أفرادها، أى نحو مائة ضابط وجندى، وليس 47 فقط كما أُعلن رسميًا.
والحسبة بسيطة. عديد كل من كتائب لواء جولانى الخمس يتراوح بين 400 و600. وإذا أخذنا المتوسط فلن تزيد نسبة خسائرها، إذا صح أنها فقدت 47 فقط, عن 9%. وهذه خسارة مقبولة لا تفرض سحبها ما لم يتدهور أداؤها. فكتائب المشاة، مثل الكتيبة 13، يمكن أن تتحمل نسبةً أكبر من الخسائر وتحافظ على أدائها، بخلاف كتائب المدرعات.
ولهذا فالأرجح أن سحبها يعودُ إلى انكسارها معنويًا بسبب طبيعة المعارك التى خسروا فيها زملاءهم، وليس لتناقص عددها. ولنأخذ مثلاً معركتها الأخيرة قبل سحبها، وكانت فى حى الشجاعية. فقد انقطع الاتصال مع دورية تابعة لها فى داخل الحى، فأُرسلت أخرى للبحث عنها وإسنادها ثم ثالثة ورابعة بلا جدوى، فقد وقع كلُ من أُرسِلوا فى كمائن مُحكمة. وإذ يتراوح عدد دورية المشاة بين 4 و5، تصبح خسائر هذه الدوريات بين 16 و20، وليس 13 كما أُعلن رسميًا.
وإذا كان هذا مستوى أداء كتيبة نخبوية عالية التدريب، فما بالك بالكتائب العادية فى جيش سقطت أسطورتُه فى 6 أكتوبر 1973، ولكن النسيان إحدى آفات أمتنا.