حين تسمعه ولا تراه تكون جزءاً منه، وعندما تراه ولا تسمعه تكون بعيداً عنه...لكن حين تسمعه وتراه تعيش الحدث لأنك أنت الحدث...من هول ما يجري في قطاع غزة من دمار وإبادة وتطهير عرقي لا يستطيع أحد أن يُعبر عن حقائق الأشياء وعظمتها سوى ذاك "الغزّي" الذي يسمع ويرى.
لذلك فإن ذاك "الغزّي" القابع في جغرافيا الحدث هو الوحيد الذي يَعي المعنى الحقيقي للحدث نفسه، فهو الهدف وهو الضحية وهو المقاوم وهو الصامد وهو الإنسان الذي تأمر عليه كلَّ الأشرار في هذا العالم.
"الغزّي" الذي يسمع ويرى ويتعرض للإبادة كان ينادي ويسأل أين الضمير؟!!!، كان يعتقد أن هناك أمة وهناك شعب وهناك إنسانية، وبعد تقريبا ثلاثة شهور من الإبادة يكتشف ذاك "الغزّي" أنه وحده فهو "الحدَث" أما الباقي الذي يسأل عنهم ليسوا سوى جمهور بأغلبيته مُتعاطف، مرةً يبكي من هول ما يرى، ومرة يقفز فرحا لمشاهدة فِعل المقاومين، بل للأسف فإنّ نُخَب هذا الجمهور همها أن تتحدث أو تكتب وتُقيّم الحَدث، بعضهم يرى الأمور من منظار المُرتعش والمُرتجف فيكتب عن الدمار والإبادة ويلمز بالمسئولية للمقاومة وليس لمن يقوم في الإبادة، يلوم الضحية لأنها تمردت على الجلاد، وآخر يطالب الذي يعيش الحدث بمزيداً من الصمود والتضحية، في حين تجد قلة من النخب تبادر لأن تبذل الجهد في تقديم المساعدة فهي تفعل أكثر مما تتحدث.
المصيبة الكبرى ان عدد لا يُحصى من النُخب التي تتحدث عما يجري من باب التحليل، أو من باب التقييم تُركز دائما على فِعل وأهداف المُعتدي وما يَعتريه من صراعات داخلية بين نُخبه السياسية في محاولة منها لاستشراف مَعرفي للقدرة على الاستمرار في التدمير والإبادة، وتذهب بعيدا في نقل الصراعات الداخلية الإسرائيلية وكأنها العامل الحاسم في وقف الجريمة التي يتم بثّها حيّاً وعبر كلّ وسائل الإعلام.
للأسف ينسى الجميع أن المعركة الدائرة على غزة وفي غزة هي إجماع صهيو-أمريكي غربي أولا وأخيراً، والنقاش الدائر بين الأطراف المُعتدية ليس على الأهداف وإنما حول الوسائل لتحقيق تلك الأهداف والنتائج التي يجب أن تتحقق بعد إنجاز تلك الأهداف، من هنا فإن قراءة المشهد بعيداً عن ذاك الإجماع سيؤدي لقراءات خاطئة.
كما أن تعامل البعض مع ردة الفعل المقاوم إن كان من حيث الموقف أو من حيث الميدان باعتباره عامل ثانوي والتركيز فقط على التعارضات الداخلية لدى المُعتدي ستؤدي حتما لنتائج خاطئة.
المُعتدي له أهداف مُعلنة وغير مُعلنة، والمقاومة مهمتها إفشال تلك الأهداف لكسر العدوان وإيقافه، وهذا يستدعي فِعل جمعي يُساند الميدان، هذا الفِعل تُمارسه كل قوى المقاومة في منطقتنا في الضفة واليمن والعراق وسوريا وفي جبهة الشمال حيث الفِعل المركزي للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها "حزب الله"، والكل يُقدم في هذا الإطار، لكن غِياب الفِعل الشعبي الجماهيري على الأرض وبالذات في الضفة الغربية والقدس والدول العربية وبالأخص دول الطوق يُؤثر كثيرا ويؤدي لاستمرار العدوان والإبادة، بعكس ما يحدث على مستوى العالم وبالذات الغربي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، هناك الفِعل الشعبي يأخذ دور مُهم ويضغط على النُخب السياسية بشكل أدى لتغيير الكثير من المواقف، بل هو الذي أوجد التعارضات في داخل الحلف الصهيو-أمريكي الغربي.
وباختصار شديد نقول: إن الفِعل الميداني في مركز الحدث والفِعل المُساند له في محيط الحدث هو العامل المركزي الذي يُقرر طبيعة المَشهد ككل في المنطقة، وهو الذي يَضغط بقوة على المُعتدي وحلفه ويؤدي للتعارضات الداخلية والتي تصل لدرجة التناقضات، وتفرض عليه تغيير ترتيب الأولويات، بل حتى تعديل الأهداف وصياغتها بطريقة تُفرغها من مضمونها لتجعلها واقعية وقابلة للتحقيق، ومن يعتقد أن الواقع الداخلي في إسرائيل سيقرر طبيعة المشهد القادم فعليه أن يراجع حساباته، فهناك يجلس على طاولة القرار رجلٌ له مصالح خاصة وأيديولوجية تلتقي وتتقاطع مع الحريدية اليهودية الأرثوذكسية والصهيو-دينية القومية المتطرفة ولن تؤثر عليه كل الضغوط وسيعمل بكل الطرق وبالخداع والكذب لاستمراره في العدوان، بل قد يهرب إلى الأمام في لحظة ما لتوسيع هذا العدوان حتى يُحافظ على ائتلافه إذا ما قرر التوصل لوقف إطلاق نار أو إذا ما قرر تحقيق حلمه برؤية طهران تلتهب ناراً، ورغم أن هذا جنون وسيضع كل دولة إسرائيل أمام لحظات من الفناء والدمار، إلا أن الرجل يرى الدولة من منظار سارة ويائير والعائلة وبقاءه خارج السجن، *إنها عقدة "الثمانين"، لذلك المعركة طويلة بعض الشيء لكن حدتها وطبيعتها وحجمها سيتحدد خلال أسبوعين بالحد الأقصى.
لست أنا بشيء...
غزة هي كلِّ الشيء..
قال: من سيوقف العدوان...
قلت: مقاومة غزه ومحورها..
قال: طويلة...
قلت: عليكم، نعم ...لكنها ستؤرخ قصيرة.