- جيش الاحتلال يواصل عمليات نسف المربعات السكنية في المناطق الشمالية لقطاع غزة
للمرّة الخامسة خلال الحرب، يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وبين كلّ زيارة وأخرى، يحصل تبدُّل طفيف في أهدافها والمواقف الأميركية. مرّة يؤكّد وقوف أميركا بكلّ إمكانياتها في دعم الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، ومرّة أخرى لتوجيه النصائح والتحذيرات، ومرّات أخرى، أيضاً، لتمديد المُهَل الزمنية المتاحة أمام جيش الاحتلال.
ودائماً، كان بلينكن وإدارته، يتبنّون الرواية الإسرائيلية، بالرغم من أنّ تطوّرات الحرب، تثبت له ولإدارته، زِيف هذه الرواية وفشل القائمين عليها وفق مؤشّرات الميدان.
لم يتغيّر الموقف الأميركي حسب جون كيربي، من حيث أنّ وقف الحرب، في هذا الوقت يخدم حركة حماس، على حدّ تعبيره.
تعوّدنا خلال الحرب، على مواقف أميركية تتّسم بالغموض، إلّا أنّ بلينكن كسر هذه القاعدة، قبل وصوله في الجولة الأخيرة إلى دولة الاحتلال، لكنّه عاد لسياسة الغموض بعد لقاءاته مع قادة الحرب في تل أبيب.
لا بدّ أنّ الوزير الأميركي مرهق ومرتبك لأنّ الأداء الإسرائيلي خذله، وألحق أضراراً بليغة ببلاده، فضلاً عن الأضرار الهائلة التي أصابت إسرائيل.
الثابت في السياسة الأميركية، وقوفها إلى جانب إسرائيل، بكلّ ما تملك بلاده من إمكانيات سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية، حتى أصبح واضحاً أنّ أميركا هي التي تدير الحرب، وهي صاحبة القرار، وأنّ القائمين على الحرب في إسرائيل ليسوا أكثر من أدوات.
ثمة أمر يتمّ طبخه في أروقة السياسة الأميركية والشرق أوسطية، والأرجح أنّه يتعلّق بكيفية إخراج المشهد الأخير للحرب، وما بعدها لم تتّضح ملامحها بعد.
عدا عن الدعم السياسي الواضح، فتحت الولايات المتحدة، خزائنها وترساناتها العسكرية، وأقامت جسراً جوّياً شاركت فيه نحو 240 طائرة، وأرسلت بوارجها وحاملات طائراتها إلى شرق المتوسّط، ولكن كلّ ذلك لم يساعد إسرائيل في حسم الحرب وتحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة.
هذا يعني أنّ ثقة الولايات المتحدة، بقدرات الجيش الإسرائيلي قد اهتزّت كثيراً، كما لم يحصل خلال كلّ حروب إسرائيل منذ قيامها؛ ومع هذا ستهتزّ الثقة، بوظيفة إسرائيل في المنطقة استناداً إلى الاستراتيجيات الاستعمارية «الغربية».
ربّما من المبكر أن تظهر مؤشّرات هذا الاستنتاج، لكنّ الأيّام المقبلة ستقدّم الكثير من الحقائق.
منذ الأيّام الأولى أعلن بنيامين نتنياهو أنّ هذه الحرب ستكون الأخيرة وأنّها حرب وجود، الأمر الذي ينطوي على اعتراف ضمني بأنّ وجود دولة الاحتلال بات على المحك الفعلي.
هذا الاعتراف الذي يلخّص هاجساً ظلّ يلهج به الكثير من المسؤولين الإسرائيليين قبل الحرب، هو أحد الأسباب التي تفسّر الأبعاد الإجرامية في أداء جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل الحرب، أيضاً، صدرت تحذيرات كثيرة من قبل مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، تعبّر عن مخاوف على إسرائيل من نفسها، خصوصاً منذ بداية العام المُنصرِم.
الحرب والفشل الإسرائيلي، جعل الأميركيين، وكثيرا من الإسرائيليين يتحرّكون بقوّة لحمايتها من نفسها وحمايتها من الفلسطينيين، ولذلك لا يرى بلينكن أنّ استخدام «حماس» للأنفاق والمدنيين كـ «دروع بشرية»، هو المسؤول عن سقوط هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى والدمار.
ربّما يقف هذا المنطق الأميركي خلف تصريحه (بلينكن) الذي لا يرى أسباباً خلف الدعوى التي قدّمتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وتتّهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
يُشير هذا الموقف إلى أن الولايات المتحدة، التي ترى بأنّ الإجراء الجنوب إفريقي، يُعطّل مساعي السلام في المنطقة إلى أنّ الولايات المتحدة، ستستخدم إمكانياتها في الضغط على المحكمة حتى تمنع صدور حُكمٍ يُدين إسرائيل.
إذا لم تنجح الإدارة الأميركية في تجميد أو إبطال هذا الملفّ في «العدل الدولية»، فإنّها ستمارس «حقّ الفيتو» في مجلس الأمن الدولي.
ثمة سوابق عديدة، استخدمت فيها الولايات المتحدة نفوذها وقوّتها، لتعطيل دور مؤسّسات العدالة الدولية، سواء على مستوى «العدل الدولية»، أو مجلس حقوق الإنسان، أو «الجنائية الدولية».
ولكن قد تنجح هذه المرّة، أيضاً، ولكنها فشلت وتفشل أمام محكمة الشعوب، بما في ذلك الرأي العام الأميركي، وستضطرّ لدفع ثمن دفاعها عن دولة مارقة، تتحدّى كلّ قوانين الأرض وكلّ الإرث الإنساني، وتتصرّف باعتبارها دولة فوق القانون.
الكلّ مرتبك في الحلف الذي يقف خلف دولة الاحتلال، ذلك أنّ الحكومة الإسرائيلية، تعاني من ارتباكات، وتناقضات واسعة وعميقة، بسبب فشلها الأكيد في تحقيق أيّ إنجازٍ عسكري أو سياسي، سوى ما حقّقته من دمارٍ هائل، وقتل، وإرهاب، يترك أثراً واضحاً، نحو انزياح وانزواء الرواية الإسرائيلية التاريخية، لصالح تأييد واسع وتفهّم من قبل الرأي العام العالمي للرواية الفلسطينية.
ثمة من قال، وكان البعض يسخر منه، أنّ إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت، فهل تثبت مجريات الميدان، هذا الزعم؟ أمّ أنّ على الولايات المتحدة وحلفائها أن يرفعوا أيديهم عن إسرائيل، حتى تتأكّد صحّة هذا الادّعاء؟