- مدفعية الاحتلال تجدد قصفها العنيف غرب مخيم جباليا شمال غزة
لا محكمة العدل الدولية، ولا الرأي العام العالمي، يحظى بأهمّية بالنسبة لبنيامين نتنياهو الذي يُصرّ ويُعاند الحقائق سعياً وراء ما يقول: إنّه انتصار واضح في هذه الحرب.
أكثر من مائة يوم منذ اندلاعها، احتشدت خلالها كلّ إسرائيل، حكومةً و"معارضة"، ومجتمعاً، واستنفرت كلّ ما لديها، ولدى حلفائها من وسائل القتل والتدمير، ولم تحقّق الأهداف التي رفعتها حكومة "اليمين" الفاشي المتطرّف، وشنّت حرب إبادة جماعية استهدفت الزرع والضرع والحجر والإنسان، ولكنها لا تزال تبحث عن انتصار يبدو أنّه ليس في متناول اليد.
حرب نتنياهو وحكومته و"مجلس حربه"، ومجتمعه وأحزابه، وعسكره، ليست فقط في قطاع غزّة، وإنّما تشمل الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية كلّها.
تنشدّ أنظار العالم ووسائل الإعلام والسياسة نحو غزّة، لأنها تتعرّض لما لا يقوى عقل بشر على تحمُّله، ولكنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يستبيح كلّ مدن وقرى الضفّة الغربية ليل نهار، ويقتل ويعتقل ويُدمّر البُنى التحتية ويُروّع الأطفال والنساء.
الحرب على الضفة والقدس سبقت بكثير الحرب على غزّة، وكان عنوانها حسم الصراع، بمعنى القضاء على الوجود الفلسطيني بعد أن ظنّت إسرائيل أنّها قضت على إمكانية حصول الفلسطينيين على حقوق سياسية.
لم تستمع الطبقة السياسية إلى نصائح بعض كُتّابها وحُلفائها التي كانت تؤكّد بين الحين والآخر، أنّ لا أمنَ ولا استقرارَ لإسرائيل إلّا بقيام دولةٍ فلسطينية على أقلّ من رُبع أرض فلسطين التاريخية.
الآن أخذت أوساط الجيش الإسرائيلي تحذّر من انفجارٍ وشيك في الضفة، بسبب الضغط الشديد الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي وتمارسه عصابات المستوطنين، وتعطّل الحياة الاقتصادية لنحو مئتي ألف عامل لا يُسمح لهم بالعودة للعمل، وبسبب ذلك، تتعطّل الأعمال في الضفة، هذا بالإضافة إلى القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة، ما يؤدّي إلى إضعاف السلطة وقدرتها على الوفاء بالحدّ الأدنى من التزاماتها.
وتحذّر أوساط سياسية كثيرة في العالم، وفي مقدّمتها الحلف الذي وقف منذ اللحظة الأولى إلى جانب إسرائيل، وتواطأ في ما ارتكبته، وترتكبه من جرائم إبادة جماعية، الكلّ يحذّر من احتمال توسّع دائرة الصراع وتحوّله إلى صراعٍ إقليمي.
ثمة عديد المؤشّرات على احتمال توسُّع الحرب، ابتداءً من اليمن ولبنان والعراق، إلى إيران وسورية، دون غطاء وحلفاء حقيقيين، بادرت القوات الأميركية والبريطانية إلى قصف مواقع يمنية في محاولة يائسة لإظهار سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة، وقدرتها على حماية حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
لم يتأخّر الردّ اليمني حيث تمّ استهداف ناقلة أميركية وتحذير عدد آخر من الناقلات، الأمر الذي أدّى إلى شللٍ كامل لحركة الناقلات.
تعطُّل حركة الناقلات عَبر "المندب"، لم يعد حصرياً على السفن التي تتّجه نحو ميناء "إيلات"، فقد أعلنت كبريات شركات النقل عن التحوُّل نحو رأس الرجاء الصالح.
إيران دخلت على الخطّ من بواّبة جانبية، حين قامت بقصف مقرّ تدّعي أنّه يعود للاستخبارات الإسرائيلية في أربيل العراقية، هذا بالإضافة إلى تزايد هجمات الميليشيات العراقية على قواعد أميركية في العراق وسورية.
وعلى جبهة الجنوب اللبناني تضطرّ إسرائيل لسحب ثلاث فرقٍ عاملة في غزّة، تنقل واحدة منها إلى الشمال استعداداً للتعامل مع إمكانية توسُّع القتال.
منذ البداية عملت الولايات المتحدة، وحلفاؤها "الغربيون" على منع توسيع دائرة الصراع، ولوّحت باستخدام القوّة، ثم حاولت دون نجاح الذهاب إلى الحلّ الدبلوماسي، وهي وآخرون لا تزال تحاول ذلك، لكن نتنياهو يسير في الاتجاه المعاكس.
يوم أمس، شنّ الجيش الإسرائيلي هجوماً كبيراً في "وادي السلوقي" جنوب لبنان، واستهدف بحسب ما قاله الناطق باسم جيش الاحتلال عشرات الأهداف. الوقائع على جبهة الجنوب اللبناني تشير إلى أنّ عملية تقويض متدرّج لـ"قواعد الاشتباك"، بمبادرةٍ من إسرائيل.
في قراءة المشهد العام، يظهر أنّ نتنياهو وبعض القيادات العسكرية، هم أصحاب المصلحة الوحيدون في استمرار وتصعيد الحرب، لأسباب شخصية لم تعد خافية على أحد في إسرائيل وخارجها.
هذه الحقيقة، جعلت جو بايدن، يعبّر عن فقده الصبر إزاء ما تقوم به الحكومة المتطرّفة، و"مجلس الحرب"، الذي يرفض أحياناً ويُماطل أحياناً أخرى في تلبية الطلبات والأوامر، أو النصائح الأميركية.
لا يأبه نتنياهو وأرباب الـ"تايتانيك" إلى التغيُّرات التي وقعت خلال أيّام الحرب، فجبهته الداخلية مفكّكة ومتصارعة، وأهداف الحرب لم تعد واضحة للجيش، وتغيّرت مواقف حلفائه كلّهم تقريباً.
يعبّر جوزيب بوريل المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي عن صدى صوت الولايات المتحدة، فيقول: "حان الوقت كي نتّحد ونتحمّل مسؤولياتنا لإنهاء الأعمال العدائية في غزّة، ونعمل على تنفيذ "حلّ الدولتين".
بوريل أتبع هذا التصريح، بالحديث عن أولويات تتعارض مع "مجلس الحرب"، وإن كانت تتوافق مع بيني غانتس وغادي آيزنكوت، فيقول: "هناك ثلاث أولويات منع توسيع الحرب بأيّ ثمنٍ، والإفراج عن الرهائن، والتمهيد لحلّ الأزمة سياسياً".
عضو "مجلس الحرب" جدعون ساعر يتحدّث عن ضغوط خارجية متزايدة.. فهل تصمد إسرائيل أمام هذه الضغوط؟ وهل يمكن أن يتحوّل نفاد الصبر عند بايدن إلى التلويح بعصًى غليظة؟