- شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال منزلا لعائلة حمادة في حي الدرج وسط مدينة غزة
- مصابون جراء قصف الاحتلال منزلا في محيط عيادة الدرج بمدينة غزة
أخذ العدوان الإسرائيلي على غزّة بالتوسّع شيئاً فشيئاً، وآخر مظاهره وفصوله تطوّر الأوضاع وصور المواجهات في المنطقة، وأبرزها في البحر الأحمر وباب المندب، حيث تحاول جماعة أنصار الله الحوثية فرض معادلة معيّنة تحت عنوان نصرة غزّة وفكّ الحصار عنها ووقف العدوان عليها، أو الحرب الأمنية التي برزت، أخيرا، بشكلٍ لافت بعد اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعدها توجيه ضربة لقادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني في دمشق، وما بينهما أحداث تفجيرات في مدينة كرمان الإيرانية في ذكرى اغتيال قائد فرقة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وكلّها كانت ضربات أمنية محكمة تدخل في إطار الحرب الأمنية وليس العسكرية. وقد ردّت إيران على هذه الحرب الأمنية بضربة عسكرية أمنية، كما ُوصفت، عندما وجّهت صواريخ باليستية إلى مواقع في أربيل ادّعت فيها أنّها تؤوي مسؤولين في المخابرات الإسرائيلية (الموساد).
هي حربٌ متدحرجة إذاً بين إسرائيل وإيران لا تعني، بالضرورة، أنّها ستصل إلى حرب واسعة ومفتوحة، فلكلّ منهما منها شأنه وهدفه الخاص. ولكن لا بدّ من القول إنّ غزّة باتت خارج هذه المعادلة، أو الحرب المتدحرجة، فغزّة خاضت حربها وحقّقت نصرها بجهدها وثباتها وصمودها، وبهزيمة الاحتلال الذي يتخبّط الآن على مستوى قيادتيه السياسية والعسكرية، وهي (غزّة) الآن تعمل على تثبيت الانتصار وترجمته إلى واقع عملي يخدم قضية الشعب الفلسطيني، حتى لو أخذ هذا الأمر بعض الجهد والوقت.
أمّا بالنسبة لحسابات القوى المشاركة في الحرب المتدحرجة، فإنّ حسابات كلّ منها مختلفة عن الآخرى، وإن كانت تشترك في المقدّمات، غير أنّها بالطبع وبكل تأكيد تختلف في النتائج. فإسرائيل، بقيادتها الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، تعمل على توسيع الحرب ومدّها إلى مناطق أخرى، خصوصا بعد الفشل الذي مُني به جيشها في قطاع غزّة، وذلك لاعتباراتٍ لم تعد خافية على أحد، بمن فيهم المجتمع الإسرائيلي أو الدول الداعمة، وفي مقدمّها الولايات المتحدة، وهي اعتباراتٌ تتعلّق بشكل أساسي بمستقبل نتنياهو وبعض القادة معه. وهو يسعى لتوريط المنطقة في حرب واسعة علّه يمحو ما لحقه من عار في يوم 7 أكتوبر ، وعلّه يقدّم صورة نصر للإسرائيليين تتيح له الاستمرار في ممارسة العمل السياسي والقيادة بعد هزيمة جيشه في غزّة. ولذلك، هو قد تجاوز عديدا من الخطوط الحمر، وقفز فوق عديد من قواعد الاشتباك التي كانت قائمة، في محاولة لمدّ الحرب زمانياً ومكانياً، ولكنّه لم يصل إلى ما يريد.
الحرب على غزّة والصمود والانتصار الفلسطيني ستكرّس معادلات جديدة في المنطقة، وإيران تريد أن تكون جزءاً من هذه المعادلات الجديدة
بالنسبة لإيران، وكأنّها شعرت أنّ المعركة في غزّة اقتربت من نهايتها، وأنّ المقاومة الفلسطينية حقّقت نصرَها، وتنظر إلى كيفية ترجمته إلى واقع يخدم الشعب الفلسطيني وقضيته بمعزلٍ عن أيّ اعتباراتٍ أخرى، وربما شعرت إيران أنّها في هذا الجو تعيش حالة من العزلة التي ستجعلها تخرج من هذه الحرب خالية الوفاض، على الرغم من مشاركتها عبر حلفائها بشكل من الأشكال ودفْع ثمنٍ ليس قليلاً فيها، ولذلك لجأت إلى نوع من التصعيد، أو بمعنى آخر إلى الانخراط الفاعل في الحرب المتدحرجة، وصولاً إلى القول إنّها مع حلفائها جزءٌ من رسم مستقبل المنطقة، ولها حصّتها من الحلول، وإلاّ فإنّها مع الحلفاء وبهم قادرة على أخذ الأوضاع والأمور إلى منطقة آخرى ومكان آخر، ولكنّ الجميع يدرك أيضاً أنّ إيران لا تريد أن تذهب إلى حربٍ واسعة ومفتوحة، وجلّ ما تريده في هذه المرحلة أنّ تؤكّد دورها ومحوريتها في المنطقة واشتراكها في صناعة الحلول والتسويات، تماماً كاشتراكها في الحرب الحالية، حتى لا تكون مغيّبة ومهمّشة في المرحلة الآتية، لأنّ ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده أبداً، ولأنّ الحرب على غزّة والصمود والانتصار الفلسطيني ستكرّس معادلات جديدة في المنطقة، وإيران تريد أن تكون جزءاً من هذه المعادلات الجديدة للحفاظ على المكتسبات التي راكمتها خلال الأعوام والعقود السابقة.
نحن أمام حرب متدحرجة، تأخذ الآن طابع المواجهة الأمنية بشكلٍ أساسي، وأمام مشاركين فيها كلّ يريد أن يأخذ هدفه منها، ويمكن أن يكون في ذلك نوع من التخادم المرحلي الذي لا يعني إطلاقاً انتفاء العداوات.