هذا السؤال الذي يشكل هاجساً لمواطني قطاع غزة الذين تطحن الحرب والبرد والجوع عظامهم، وكذلك للرأي العام في إسرائيل الذي أيقن بعد أربعة أشهر من الحرب أن الجيش والحكومة الإسرائيلية يفشلان في إعادة المحتجزين من غزة بالقوة المسلحة، فالوقت يمر ويزداد الخطر على حياتهم مسلّماً أن لا سبيل لإعادتهم إلا بصفقة مع حركة حماس.
الهدنة السابقة استمرت لثمانية أيام تسلمت فيها إسرائيل عشرة أسرى لكل يوم، ورفضت في اليوم التاسع استلام سبعة أحياء وثلاث جثث لتستأنف الحرب وتحول عملياتها العسكرية بشكل مفاجئ نحو خان يونس معتقدة أنها ستتمكن من الوصول للمحتجزين بعد أن تسلمت دفعات من تلك المنطقة.
ولكن بعد شهرين تماماً من العمل في المدينة الجنوبية بفشل الوصول لأي منهم يتضاءل الأمل، ويعود الحديث عن الطريقة الوحيدة لعودتهم باتفاق تبادل وبثمن أكبر بعد أن أعطت الولايات المتحدة والرأي العام في إسرائيل ما يكفي من الوقت.
في موقع «واي نت» العبري تكتب المحتجزة السابقة لدى حماس «نيلي مارجليت» رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بعنوان «يا رئيس الوزراء أعدهم بأي ثمن»، هذا ليس صوت مارجليت وحدها بل بات يعبر عن المزاج العام المصاب بإحباط الإنجاز وتحقيق الوعد.
لكن رئيس الوزراء الذي يشعر بأنه تجري محاصرته في هذا الملف وتتكثف الضغوط يبدو كالثور الذي يتم جرّه إلى المذبح مراهناً على معجزة يحققها الجيش في خان يونس أو رفض حركة حماس بسبب عدم تلبية مطالبها في الصفقة مثل انسحاب الجيش في غزة أو عودة النازحين أو وقف الحرب أو رفضها لرفض بعض الأسماء.
تلك اللاءات الثلاث التي يتسلح بها بنيامين نتنياهو في مواجهة الضغوط على نمط نعم ولكن وتلك استخدمها سابقاً مع أوباما وموضوع الدولتين، لدرجة أصبح نتنياهو معروفاً بها «نعم وبشروط ناسفة».
والضغوط كان آخرها استعداد زعيم المعارضة يائير لابيد لتوفير شبكة أمام عقد الصفقة ما يعني اكتمال الأغلبية لتنفيذ صفقة مقابل سموتريتش وبن غفير ما يعني تعرية نتنياهو في حالة تخريب الصفقة بأنه يضحي بالمحتجزين مقابل موقعه وتمسكه بائتلافه.
دوافع الصفقة تتساوى مع كوابحها، وهنا مصدر الجدل الكبير حول إمكانية نجاحها.
ففي إسرائيل دوافع وكوابح ولدى الفلسطينيين كوابح ودوافع أيضاً. فالحكومة الإسرائيلية التي يشكل المتطرفون عمودها الفقري ليست في وارد تقديم تنازلات لحركة حماس وليس لديها سوى القوة الاستعلائية حيث اعتبرت منذ اليوم الأول أن المحتجزين ليسوا سوى ضحايا حرب وأن إسرائيل في طريقها لسحق حركة حماس وليس للتفاوض معها، فكيف تجد نفسها مرغمة على التفاوض ودفع الثمن؟
من جانب آخر بعد الضغط الأميركي ودور الوسطاء ومحاولة نتنياهو التملص بمهاجمة قطر علّها تهجر الملف لولا الاستدراك الأميركي بالإشادة بدورها عقد لقاء باريس، وقد وضع خطوطاً عامة لصفقة بعد التشاور مع الوسطاء بالبحث عن الممكن وهو الذي يعطي لطرفي الحرب بعضاً مما يريدون لكنه لا يحقق لها نتائج حاسمة تعود بها لرأيها العام.
تبدو الصفقة متأرجحة فإسرائيل تريد استعادة محتجزيها ولكن ليس بأي ثمن كما يقول رئيس وزرائها، وحركة حماس تريد ثمناً كبيراً كما تسرب الصحافة الإسرائيلية منها إطلاق سراح ثلاثة من كبار الأسرى وهم: مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبد الله البرغوثي وهم من رفضت إطلاق سراحهم في صفقة سابقة عدا إبراهيم حامد وحسن سلامة صديق محمد الضيف.
أما على الصعيد الفلسطيني فهناك من اعتبر ما يجري تداوله عبارة عن كمين لحركة حماس يهدف لاستئناف الحرب بعد أن تكون إسرائيل قد أخذت المحتجزين دون السماح للغزيين من الشمال بالعودة ودون سحب الدبابات الإسرائيلية من القطاع وبلا تعهد بإنهاء الحرب أو المنطقة العازلة، وخاصة أنه يدور الحديث أن تل أبيب تعد خطة لحكم إسرائيلي لغزة لمدة عام للقطاع، وبالتالي فإن الصفقة هي محطة عبور نحو استكمال مشروع إسرائيل بغزة، وهذا آخر ما تحلم به حركة حماس التي لم تفتح حرباً لتعيد الاحتلال للقطاع وينتهي بإنهاء سيطرتها.
والصحيح أن الفلسطينيين ومعهم الإسرائيليون يتوقون لعقد الصفقة التي يعلن أنها ستكون على ثلاث مراحل تبدأ بتهدئة تمتد لستة أسابيع يطلق خلالها سراح النساء والأطفال الأقل من 19 وكبار السن والجرحى والمرضى، في المرحلة الأولى التي تعلق إسرائيل طيرانها فوق غزة كما يقول تقرير «وول ستريت جورنال»، ثم المرحلة الثانية وتشمل إطلاق سراح المجندات وتضمن تشغيل المستشفيات والمخابز والمياه ثم المرحلة الثالثة إطلاق سراح الجنود والجثث.
بذلك ستحصل إسرائيل على كل محتجزيها ولكنها تتوقع أن تبقي حماس على عدد قليل كي لا تفرغ جيوبها تماماً وتلك نذر اللاصفقة، يقابلها على الجانب الآخر رفض إسرائيل إطلاق سراح أسماء معينة بالإضافة لمطلب حماس تحرير قوات النخبة التي شاركت في السابع من أكتوبر.
هذه العقبات كفيلة بتعطيل أي صفقة هذا لو افترضنا تنازل حماس عن وقف الحرب وانسحاب إسرائيل وتلك أيضاً مستحيلات إسرائيلية ستعطي نتنياهو حبل نجاة الهروب من الصفقة واستمرار تماسك حكومته، فسموتريتش الحليف المتين لنتنياهو يقول: «برأيي لن تكون هناك صفقة تبادل ولا أريد مجرد ذر الرماد وتضليل العائلات» بعد أن كان هدد بمغادرة الائتلاف الحكومي إن تم الاتفاق على صفقة تبادل وذلك خط أحمر لمن يعرف نتنياهو الذي يقف وسيطاً بين سموتريتش وبايدن فلمن سيرضخ ؟ هذا ما سيقرر مصير الصفقة ...!