أولوية زيارة بلينكن لإسرائيل والمنطقة، هي إنجاز صفقة التبادل التي ما تزال تجري مفاوضات ومشاورات حولها، دون تأكيد من أي طرف بقرب إعلان نجاحها.
أطراف الصفقة.. الرئيسيان حماس وإسرائيل، والوسيطان مصر وقطر، ووراء الجميع وأمامهم أمريكا، التي ما تزال تتعامل مع الأمر كوسيط!
حماس غير متعجلة في الرد سلباً أو إيجاباً، إلا أنها تحاول إن لم تحقق شروطها التي وضعتها في بداية الحديث عن الصفقة الجديدة، فلعلها تتوصل إلى صيغة لا تلغي الشروط ولا تذهب إلى الشروط الإسرائيلية التي فهمتها حماس على أنها توفر استعادة المحتجزين ومواصلة الحرب بعد ذلك.
إسرائيل متعجلة في سماع رد حماس، مراهنة على موافقتها على الحلول الوسط، التي تريحها من صداع ذوي المحتجزين، دون تكبيل يديها في حربها المعقدة التي تقول أنها بصدد تجاوز خان يونس والذهاب إلى رفح، ومن أجل طمأنة مصر بشأن مخاوفها من التهجير أعلنت أنها ستنقل أهل رفح إلى مناطق أخرى داخل القطاع.
مصر وقطر وهما رعاة المعالجات المباشرة مع أمريكا وإسرائيل، يرون أن الصفقة الجديدة التي ستكون أكبر من سابقتها، تحمل فرصة معقولة لإنهاء متدرج للقتال، قد يصل في مرحلة قادمة إلى فتح مسار سياسي يرونه حتمياً إذا ما أريد تجاوز مرحلة القتال والهدن، إلى مرحلة الحل السياسي المنشود.
وأمريكا تدعم الجهد المصري والقطري، ولكنها غير قادرة على إلزام إسرائيل بالتجاوب مع ما ينقله المصريون والقطريون من حماس بإبداء "مرونة مساعدة" ولو على صعيد أعداد الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم مقابل ما ستفرج حماس عنه من الإسرائيليين، وفي هذه النقطة يبدو الموقف الأمريكي متناقضاً، فهم يريدون نجاح الصفقة ويريدون استمرار الحرب، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً.
موقف إسرائيل من قضية المحتجزين فيه ازدواجية وتناقض بين ما تُعلن من حرصٍ على تخليصهم، وبين إمكانية التضحية بهم إذا ما بقوا حاجزاً يحول دون تنفيذ الخطط الإسرائيلية الحربية على الأرض، ومن أجل تهدئة خواطر ذوي المحتجزين والمتعاطفين معهم، يتحدثون عن قرب حسم الحرب بإلقاء القبض على السنوار والسيطرة المطلقة على خان يونس، وتخليص المحتجزين، وفي ذات الوقت يتحدثون عن انتظار رد حماس بشأن الهدنة والتبادل.
لا يُستبعد نجاح مصر وقطر وأمريكا في التوصل إلى الصفقة الجديدة التي يجري النقاش والتشاور والتفاوض حولها، غير أن النجاح في هذا الأمر كالفشل، إذا ما عُزلت صفقة التبادل عن مطلب إنهاء الحرب.
ما تطالب به حماس محقٌ وضروريٌ وعادل، ولكنه يبدو تعجيزياً بالنسبة لأمريكا وإسرائيل.
وما تسعى إليه إسرائيل خبيث وخطر، وهو تهدئة الخواطر داخلها ومضاعفة مأساة غزة بتوسيع الحرب حتى رفح، وتهجير الغزيين إن لم يكن ممكناً إلى مصر، فإلى أي أرضٍ فراغ داخل غزة، وبذلك يكون أهل غزة قد هُجّروا عدة مرات داخل القطاع الضيق.
غير أن ما يبدو الأشد خطورة هو عامل الوقت الذي تستغله إسرائيل لتوسيع حربها، بما يتطلبه ذلك من ضحايا كثيرة وعذاب مضاعف لأهلنا في غزة، الذين ينتظرون إلى جانب الشتاء القادم تهجيراً جديداً.
إننا حيال معضلة لا تحلها هدنة أو صفقة جديدة، لأن حلها الحقيقي والذي لا تقبله إسرائيل ولا أمريكا هو أن تتوقف الحرب ويذهب الجميع إلى مسار سياسي بديل عن المسار الحربي.