منذ بداية الحرب الإجرامية على الشعب الفلسطيني ظلّ رئيس الحكومة "اليمينية" العنصرية المتطرّفة عابساً، مسودّاً، يخفي وجهه وحركاته خوفاً وغيظاً لا يجد له تصريفاً سوى بارتكاب جيشه المزيد من المجازر البشعة.
لقد ظلّ يردّد عزمه وإصراره، على مواصلة الحرب، التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، حتى تحقيق الانتصار النهائي على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
لقد انتظر طويلاً، دون يأس، رغم يأس حلفائه الدوليين بعد أن تسرّب اليأس إلى "مجلس حربه"، حتى جاءت لحظة أشعرته بالانتشاء.
لم يُخفِ نتنياهو غبطته، حين وصلته أخبار تحرير اثنين من أسراه، بالقوّة، كان قد تمّ احتجازهما في منزل بمنطقة الشابورة وسط مدينة رفح.
كلّ إسرائيل احتفلت بذلك الإنجاز، الذي جرى تضخيمه، وأنعش وعود قادة الحرب، بأنّهم قادرون على الوفاء بعهدهم الإفراج عن أسراهم بالقوّة العسكرية.
فرق من "الشاباك"، و"قوات النخبة" والشرطة والبحرية بمساندة من الطيران الحربي، وسلاح المدفعية، اشتركت في تحقيق هدف صغير.
تطلّب إنزال أطنان من المتفجّرات والقذائف على محيط المنزل، الذي تمّ فيه احتجاز الأسيرين اللذين جرى الاحتفاظ بهما من قبل عائلة على الأرجح.
ترفع آلة الإعلام الإسرائيلية الحدث إلى مستوى الإنجاز الاستراتيجي، والعمل البطولي الخارق، لجيشٍ فشل خلال وقتٍ طويل في الإفراج عن أي أسير.
تقول المصادر الإسرائيلية الرسمية، إنّ عدد الأسرى المتبقّين لدى المقاومة، يصل إلى مئة واثنين وثلاثين أسيراً، وكأنّ الإفراج عن اثنين منهم يشكّل بدايةً لتحرير بقيّتهم ما يستلزم استمرار وتصعيد الحرب.
هكذا وجد نتنياهو لنفسه مبرّراً، أمام منتقديه من الداخل ومن الحلفاء الذين ضاقوا ذرعاً بأكاذيبه، لاستمراره في حرب إبادة الشعب الفلسطيني.
لا يهمّ نتنياهو إن كان ثمن تحرير الأسيرين، ثلاثة وستين شهيداً، وعشرات الجرحى، وتدمير عدد كبير من المنازل التي استهدفها القصف الهمجي.
الفلسطينيون بالنسبة لنتنياهو وقادة حربه، هم "وحوش بشرية" تستحقّ الموت، حتى لو انتفضت البشرية بأسرها ضدّه، وضدّ دولته.
قبل إنجازه الاستراتيجي البطولي، كان نتنياهو، قد رفض عملياً "مبادرة باريس"، وردّ باقتراحات مضادّة لكلّ ما ورد في رؤية حركة حماس، بشأن الصفقة التي تعمل عليها الولايات المتحدة ومصر وقطر، ويساندها المجتمع الدولي.
بعد الإنجاز التافه الذي حقّقه الجيش الإسرائيلي ازداد عناد نتنياهو وتصلّبه، حتى رفض إرسال مبعوثيه إلى "اجتماع القاهرة"، الذي اقتصر على حضور الأطراف الثلاثة من دون إسرائيل.
سيظلّ نتنياهو يراوغ، ويستنزف المزيد من الوقت في فحص الاقتراحات والردّ عليها، لأنّ التوصل إلى صفقة مهما كانت مواصفاتها، سيعني خسارة في الحرب، وإعلاناً مباشراً عن هزيمة إسرائيل.
على خطّ موازٍ للبحث في صفقة الإفراج عن الأسرى، ووقف الحرب تتحرّك العربية السعودية، على خطّ إجراء حوار بين السلطة الوطنية الفلسطينية و"حماس، بشأن ترتيب البيت الفلسطيني في إطار الإجابة عن سؤال "اليوم التالي" للحرب.
المسعى السعودي يبدو قريباً، من الأجواء التي يعمل عليها، ثلاثي الوساطة الأميركي والمصري والقطري.
هذا يعني أنّ الولايات المتحدة تعمل على صفقة شاملة، تجيب عن جملة من القضايا، حيث تتعلّق بالإفراج عن الأسرى، وإدخال المزيد من المساعدات، وانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزّة، ومعالجة الأوضاع الفلسطينية بعد الحرب، إضافة إلى موضوع "التطبيع"، وملفّ اليمن والعراق.
بهذا المعنى، فإنّ علاقات الإدارة الأميركية مع نتنياهو وحكومته آخذة في التدهور، دون أن يعني ذلك حدوث صدع كبير في علاقات الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
نتنياهو أصبح عقبة كبيرة أمام رؤية الولايات المتحدة ومصالحها وعلاقاتها في المنطقة، وهو بالتأكيد عقبة كبيرة أمام طموحات جو بايدن في التنافس على مقعد الرئاسة للمرة الثانية.
المؤشّرات على مثل هذا التحوّل، لا تظهر فقط في مواقف بايدن وإدارته والتي لا يزال الكثيرون يشكّكون في جدّيتها ومصداقيتها ويصرّون على عدم المراهنة عليها، ولهم في ذلك كلّ الحق.
ولكن ما يضع هذه المواقف في خانة الجدّية إعلان وزير خارجية بريطانيا دافيد كاميرون، الذي قال، إنّ بلاده تفكّر في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويدعو إلى وقف الحرب، ويطالب إسرائيل بعدم نقل الحرب إلى رفح، بالإضافة إلى إصدار حكومته قراراً بمعاقبة أربعة من المستوطنين الذين سبق أن عاقبتهم الولايات المتحدة.
وبينما لا يتوقف نتنياهو وأركان حربه، عن التهديد باجتياح رفح، واحتلال "محور فيلادلفيا"، للقضاء وفق زعمه على ما تبقّى من كتائب لـ"حماس"، لم يبقَ في الدنيا، مسؤول إلّا وحذّر من ذلك نظراً لحجم الكارثة الإنسانية التي سيتسبّب بها عمل عسكري.
فقط الولايات المتحدة، هي التي يبدو أنّها لا تمانع في نقل الحرب إلى رفح، ولكن بشرط ضمان سلامة المدنيين، وهو أمر لا يمكن تجنُّبه، بل وإن إسرائيل لم تلتزم أبداً بهذا الطلب الأميركي من قبل، ودون استبعاد نقل الحرب إلى رفح، من قبل "مجلس الحرب" إلّا أنّ التهديد بذلك يستهدف تحسين شروط التفاوض، ولكن ليس لوقتٍ طويل.
من الواضح أنّ نتنياهو يواجه صعوبات أهمّها رفض مصر لتقدّم الجيش الإسرائيلي نحو "محور فيلادلفيا"، بالإضافة إلى أنّ تهجير السكان يحتاج إلى وقت، لكن هذه العقبات لن تحول دون تنفيذ نتنياهو لتهديداته ذلك أن استمرار الحرب هو سبيله الوحيد للمحافظة على ائتلافه، ودوره السياسي، وذلك أمر يتقدم بالنسبة له، على علاقاته حتى مع أقرب حلفاء إسرائيل الدوليين.