- مراسل الكوفية: 10 شهداء وعشرات الجرحى في قصف مدرسة تؤوي نازحين في مخيم الشاطئ غربي غزة
- جيش الاحتلال: رصد إطلاق حوالي 40 صاروخاً من لبنان نحو منطقة حيفا والجليل الغربي
لا يحتاج أي متابع أو مشغول بالشأن العام لقراءة بيان موسكو ليقف على المحطة التي وصلتها الفصائل الفلسطينية وهي تجر أقدامها بتثاقل نحو النهايات.
فقد اتفقت الفصائل على استمرار الحوار تماماً كما المريض الذي يشارف على النهاية عندما يقول الطبيب إن الوضع مستقر دون أن يحمل أي بشارة لأهله عن تقدم أو تجنباً لفقدان الأمل.
هكذا بدا الأمر لقوى وجدت نفسها تتعرى أمام رياح الدم الصاخبة في غزة بعد حصاد سنوات من المرارة الوطنية التي تقيم خيمة عزاء كبيرة تقام في غزة وخيام للنزوح بعد مغامراتها والصراعات بينها.
لم تدرك الفصائل التي ذهبت للعاصمة النائية بعد أننا أمام عصر جديد سيطيح بكل مكونات السياسة الفلسطينية، ولم تقرأ بعد تداعيات الزلزال الكبير، ولم تدرك أننا أمام لحظة أو صفحة تاريخية تفتح على عهد مختلف ككل الحروب التي أحدثت اهتزازاً وإزاحات هائلة في المجتمع الفلسطيني كانت أبرز نتائجه اختفاء القوى السياسية التي عاصرت أو كانت سبباً أو حتى متفرجاً على التاريخ.
النكبة أطاحت بالأحزاب الفلسطينية التي تشكلت في ثلاثينيات القرن الماضي وحزمت حقائبها إلى المجهول، ولم يبقَ أثر لتلك القوى التي كانت متصارعة فلم يعد أي فلسطيني يسمع عن حزب الإصلاح العربي ولا حزب الدفاع ولا حزب الاستقلال.
وكذلك كانت حرب حزيران تطيح بالطبقة السياسية التي يتزعمها أحمد الشقيري لتفسح الطريق لقوى جديدة بدأت تملأ فراغ العجز أبرزها حركة فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية فقد كان قد بدأ عهد جديد.
قد يختلف الفلسطينيون على تسمية اللحظة التاريخية الأشد سواداً في تاريخهم الطويل منذ النكبة، لكن فداحة الدمار والدم والأرض والممتلكات لا تقل عن النكبة نفسها.
لم يسايرني صديقي منذ الأيام الأولى للحرب وأنا أقول له إننا أمام تحولات هائلة ورياح عاصفة ستقتلع كل النظام السياسي والمشتغلين في حقل السياسة خلال السنوات والعقود الماضية لصالح قوى جديدة، ولن تترك هذه التحولات متسعاً لأحد من الموجودين سواء في دائرة القرار أو في غلافه أو حتى معارضاً له. ففداحة الخسارة أكبر من أن تحتملها الطبقة السياسية التي تجر أقدامها نحو النهايات بحمولة مثقلة بالدم وهي أقل كثيراً من أن تتحملها.
منذ سنوات أفلس الرصيد السياسي للفصائل واعتاشت على الدين من رأسمال المواطن. أفلست منذ اصطدمت خياراتها، فلا السياسة تمكنت من حماية الأرض ولا السلاح تمكن من حماية الأبرياء الذين يسقطون بالمئات دون أن تتوقف الفصائل التي مارست الإنكار للحقائق واستبدلتها بالأحلام لتصاب بالدهشة حين أفاقت من حلمها على ساقية الدم التي تدور بلا توقف بعد أن أفرطت في الذات لدرجة ابتلعت فيها ما كان متبقيا من وطن.
تواجهت العيون في موسكو على وقع النكبة في غزة وهي تنظر لنفسها وللآخر، وهي تحصي ما تراكم من عجز ووهَم ووهن ومن لحم ودم يتناثر أيضاً أودى بالفلسطينيين إلى تلك الكوابيس التي سكنته وهو يقضي عمره محاولاً الهرب منها، هاجس النزوح ليجد أن القدر يعيد له التجربة بزمن وأحزاب مختلفة. لكن التاريخ الذي يعيد دروسه سيعيد تلاوة النهايات على الأحزاب مرة أخرى.
الهوة بين بيان موسكو وبين واقع الأرض بعيدة بعد السماء، وسرعة الاستجابة بين فصائل تتعهد باستمرار الحوار وبين دم يسيل بلا توقف تختصر المشهد. لكن الفصائل التي ربما تشعر بأزمة اللحظة تجد في اجتماعها ما يواسي الرحيل الجماعي الذي يفرضه التاريخ المتحرك واضعاً نهايات لكل شيء بحركته السريعة، ولكن أحياناً بمحطات صادمة كما المحطات السابقة حين استدعى الشعب الفلسطيني قوى جديدة وأحال للتقاعد قوى كانت شاهدة على المأساة.
كل الفصائل التي ذهبت في رحلة الحجيج هناك كانت تتآكل بفعل الزمن، وكانت إسرائيل تقتات على عوامل التعرية التي أصابتها جميعاً.
تكرست أكثر لدى فصائل قاتلت على الحكم لتتصدر المشهد والقرار ومسؤولية التاريخ وتعد بالنصر والتحرير والآن تجد نفسها أمام أحداث جسيمة أكبر كثيراً منها، ذهبت حماس وهي تتحسس رأسها من هذه الحرب وما بعدها لتسلم بوحدانية تمثيل المنظمة وهو ما رفضته لعقود في محاولة للاحتماء بمؤسسة بلغ بها الوهن ما لم تعد قادرة على حماية نفسها»، وذهبت فتح وهي تتحسس رأسها من القادم من رياح أميركية للإطاحة بقيادتها باسم تجديد السلطة.
وسط هذه العواصف الكبيرة خرجت الفصائل ببيان يصلح تماماً للحكم على أداء الحقل السياسي ومستواه، وما بين برودة البيان وحرارة طوفان شعبي يفور من الغليان من واقع كان للفصائل مساهمة في صناعته بحسن نوايا أو قلة كفاءة أو إفراط في الذات وإسراف في الوهم كانت المسافة تعكس حجم الانفصال استعداداً لإخلاء المقاعد لمغادرة المشهد.
المأزق أو المأساة الإغريقية التي دخلت بها الحالة الفلسطينية تكثفت لدى الفصائل جميعها، وتكثفت أكثر لتلك التي تطوعت وتقدمت المشهد واعدة الفلسطينيين بالنصر أو بالتحرير فإذا بها تقف مشدوهة أمام هول الحاضر. قليلة الحيلة تعود للفلسطينيين خالية الوفاض من حجيج موسكو تماماً كما يريد لها التاريخ ... تلك حكمته في كتابة النهايات.