بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن انشاء معبر بحري مؤقت في منطقة الميناء، والتي تقع قبالة المنطقة العازلة الاسرائيلية التي تفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، والتي تم فصلها من خلال الطريق الذي أنشأه جيش الاحتلال الاسرائيلي والمسمى بطريق "749" الذي بوجوده تم فرض أمر واقع لتغيير الوضع الديمُغرافي والجُغرافي والهيكلي، بعد تمترس جيش الاحتلال في القطاع وإعادة احتلاله، وإمكانية الجيش الدخول والخروج للقطاع بكل سهولة بعد القضاء على القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في القطاع وتنفيذ الاحتلال عدد من اهدافه، سواء من خلال القصف الجوي أو اتباع سياسة التجويع التي تُعتبر سلاحا ممنهجا لتنفيذ الأهداف المُتبقية من خلال التركيز على أن الغذاء والشراب أهم من أي فكر مقاوم، وهي النظرية الجديدة القديمة التي يتبعها الجيش، وهي إدخال المساعدات مُقابل الأمن، وهي ذاتها ادخال الطعام والشراب مقابل ثلاث نقاط، وهي تسليم المُحتجزين الاسرائيليين الذين بحوزة المقاومة وتسليم سلاح المقاومة وتسليم الذين قاموا ونفذوا وخططوا لعملية طوفان الأقصى، وهي إحدى أهم الخطوط الحمراء بالنسبة لإسرائيل، وهي إعادة الأمن والسيطرة الأمنية الشاملة في القطاع، وتعزيز نموذج الضفة الغربية وبلورته في القطاع، بمعنى السيطرة الكلية للاحتلال، وايجاد قوة محلية تهتم بالوضع المدني والمعيشي والاداري لسكان القطاع، بحيث تكون القوة المحلية لا علاقة بها بالسلطة او بحركة حماس، بمعنى الاهتمام الاولي في الوضع الانساني فقط.
إن فكرة بناء الميناء البحري والرصيف قُبالة القطاع تعتبر سلاحا ذو حدين، حيث سيتم بناؤه من اميركا وبترحيب اسرائيلي، فلا يوجد مُعارض اسرائيلي رسمي رفض هذه الفكرة سوى بعض المحللين الاسرائيليين، نتيجة تخوفهم من ان الميناء المؤقت سيُعزز التجارة الفلسطينية بين غزة والعالم الخارجي، وانه سيُرسخ البُعد المستقل لغزة، لكن الرضى الاسرائيلي له دلالات بان الميناء تحت مراقبة الامن الاسرائيلي، وان كان تشغيله من قبل احدى الدول العربية، لكن الإدارة امريكية والرقابة الامنية اسرائيلية، والعمل وتوزيع المهام الداخلية الادارية والمدنية، عربي (خليجي) - فلسطينية.
إن الوجه الأول لبناء الميناء البحري هو إيجابي، وهو للإنقاذ الإنساني، وبالتحديد أن نسبة المجاعة وصلت نسبة عالية، لذا جاء الميناء ليكون الذراع المساند لتخفيف وطأة الوضع الانساني الكارثي بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين.
قد يكون السؤال لماذا يتم بناء ميناء لإدخال المساعدات الانسانية وهناك معابر برية أقل كلفة وأسرع وصولاً ؟ إن هدف بناء الميناء ياتي في اكثر من سياق، أولا اضعاف حكم حركة حماس، فحسب الفكر الاسرائيلي ان من سيستلم المساعدات من معبر رفح او معبر كرم ابو سالم هي حماس، لذا فان عملية ادخال المساعدات من الميناء هي لفرض بديل عن معبر رفح لادخال المساعدات الانسانية، وهذا يعني ان توزيعها لن يكون بايدي حماس، واضعافها ضمنياً.
كما ان الهدف الآخر هو بلورة الحكم الاداري الجديد، من خلال تقديم المعونات، حيث ان المواطن بعد التجويع المُمنهج سيفكر فقط في إطعام أولاده وعائلته ولن يفكر بأي شيء له علاقة بمُجابهة الاحتلال بعد الدمار الشامل في القطاع، وبعد انهاء مقومات الحياة فيه، وهذا يعني ان من سيُقدم لهم الطعام سيكون الحاكم الاداري للقطاع، بغض النظر عن طبيعة تلك القوة المحلية.
أما فيما يتعلق بهدف فكرة السفر من خلال الميناء، فهي غير واضحة نظراً ان التهجير القسري لم يعد قائماً، بل باتت فكرة التهجير الطوعي هي الراسخة الآن، ومُنفذة من خلال خروج عدد كبير من المواطنيين الفلسطينيين، حيث يُقدر حتى اللحظة عددهم بمئة الف مواطن خرجوا طوعاً بعد دفع كل فرد خمسة آلاف الى ثمانية آلاف دولار من أجل الخروج من القطاع، بعد التنسيق مع إحدى شركات السفر الخاصة والخروج من غزة، لذا فان فكرة التهجير الطوعي هي الراسخة، وهي ستكون القائمة حتى من خلال الميناء البحري، حيث ان الفلسطيني ذاته هو من سيُقرر الخروج او البقاء في القطاع. وبالتحديد فان الاسر الفقيرة لا تستطيع الخروج من معبر رفح، فهي لا تملك ثمن الخروج، لذا فان الميناء سيكون سلاحاً ايجابياً لتقديم المساعدات الانسانية، اضافة الى كونه سلاحا مُبهما لتعزيز فكرة اللجوء، ولكن طوعاً، بإرادة الفلسطيني.
يضاف الى ذلك ان الشارع الذي انشأه الجيش الاسرائيلي ليصل للبحر الابيض المتوسط، يقع قبالة الميناء، وهو جزء من الخطة الاسرائيلية للسيطرة الامنية على قطاع غزة، وموطئ قدم استراتيجي سيُستخدم لنقل المعدات العسكرية من الرصيف الى اسرائيل، والشارع سيُسهل تنفيذ اقتحامات في المنطقة يشمل ثلاث مسارات، مسار للمصفحات العسكرية ومسار للمركبات الخفيفة والثالث للحركة السريعة.
كما ان بناء الميناء له علاقة بدخول رفح، والتي سيتم دخولها آجلاً ام عاجلاً، نجحت الهدنة المؤقتة ام لم تنجح، فمسار العمليات العسكرية وسط قطاع غزة ورفح قائم لإنهاء الكتائب المُتبقية في القطاع ووسطه، حيث يستكمل الجيش مهامه في آخر منطقة في خانيونس اضافة لبقية مناطق الوسط، ومن بعدها الدخول لرفح بعد محاولة نقل المواطنين إلى مناطق مختلفة في القطاع بعد الضغط الامريكي لابعاد الضرر قدر الامكان عن المدنيين الفلسطينيين.
إن عملية طوفان الاقصى استُغلت لصالح اسرائيل، والفرصة جاءتهم على طبق من ذهب لتحقيق الاهداف الامنية والعسكرية والهيكلية في القطاع، وابقاء الفصل الممنهج بين الضفة والقطاع، حسب مُقتضيات الفكر اليميني الصهيوني، الذي يركز على الارض وتقليل الديمغرافية الفلسطينية من مليونين في القطاع الى مليون فرد، والضفة الغربية، كذلك من خلال التضييق المُمنهج في الضفة وقطع أي امكانية للتواصل الجغرافي بين منطقة واخرى وانهاء حلم الدولة.