بعد إقرار مجلس الأمن أمس لمشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة خلال شهر رمضان المبارك ليصبح أول قرار يتبناه مجلس الأمن منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في السابع من شهر تشرين الأول الماضي ، فمن الطبيعي جداً بعد كل المجازر التي يقوم بها الاحتلال في كل ثانية أن يقوم الكيان الإسرائيلي بتنفيذ هذا القرار على اعتبار أن كل المحاولات السابقة أفشلها الأب الروحي " الولايات المتحدة الأمريكية " لهذا الكيان بالفيتو الاميركي والأسبوع الماضي تصدت روسيا والصين لقرار أميركي غير واقعي وتدخلت باستخدام الفيتو ، ولكن هذه المرة كان من الممكن التوجه نحو الاتفاق رغم امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت ..فهل سيلتزم الكيان الإسرائيلي بهذا القرار غير الملزم؟؟؟ هنا تكمن المعضلة!
نص القرار
ويطالب القرار الذي قدمه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مع التأكيد على الحاجة الملحة لزيادة المساعدات والمطالبة بإزالة جميع العوائق أمام تسليمها ، وتم اعتماد القرار بموافقة 14 من أعضاء المجلس الـ 15، مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت ويطالب القرار الذي يحمل الرقم 2728 "بوقف فوري لإطلاق النار في غزة في رمضان تحترمه الأطراف ويؤدي إلى وقف ثابت ومستدام" ، كما يدعو النص إلى "الإفراج الفوري وغير المشروع عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية"، ويطالب "الطرفين بالامتثال لالتزاماتهما بموجب القانون الدولي بشأن جميع الأشخاص المحتجزين".
حالة من الغضب والسخط الإسرائيلي على هذا القرار
وردا على القرار، قال ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي إن بنيامين نتنياهو قد ألغى زيارة وفد إسرائيلي لواشنطن بعد امتناعها عن التصويت على القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي.
من جهته، قال منسق الاتصالات الإستراتيجية لمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن الامتناع الأميركي عن التصويت على قرار مجلس الأمن "لا يمثل تحولا في سياستنا"، موضحا "لم نصوت لصالح القرار واكتفينا بالامتناع عن التصويت لأن الصيغة النهائية لا تتضمن التنديد بحماس".
وأضاف كيربي "إذا قرر الإسرائيليون عدم القدوم إلى واشنطن بسبب تصويت مجلس الأمن فسنستمر في التواصل معهم لإيصال آرائنا"، كما وقال البيت الأبيض إن قرار الحكومة الإسرائيلية عدم إرسال وفد إلى واشنطن لتبادل الآراء بشأن العملية المزمعة في رفح "مخيب للآمال".
لكن العديد من القضايا الخلافية قد تترتب على هذا القرار وخصوصا من قبل الكيان الإسرائيلي الذي اعتاد منذ تأسيسه على مخالفة القرارات الدولية و الذي يعتبر أن القرار يبدو شكليا فقط وأن من حق الكيان الاسرائيلي مواصلة الحرب وارتكاب المجازر بحق شعبنا الفلسطيني ، كما أن رفض نتانياهو ارسال الوفد الاسرائيلي إلى واشنطن لبحث برنامج الحرب على رفح ، يؤكد ان إسرائيل سترفع من وتيرة استعداداتها لتنفيذ العدوان على رفح بأسرع وقت ممكن وهذا كان واضحا من خلال تعليقات وسائل الإعلام الاسرائيلية ..على قرار مجلس الأمن .
حالة من الترقب تسود المجتمع الدولي والعربي والفلسطيني تجاه رد الفعل الاسرائيلي
ورغم ترحيب الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير ووزارة الخارجية والمغتربين لدولة فلسطين، بالجهود في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة نحو تحمل مسؤولياته في حماية المدنيين، وأبناء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بشكل متعمد ، وتركيز الخارجية على ان اعتماد القرار بوقف إطلاق النار الفوري يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لوقف العدوان بشكل كامل ومستدام، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وإدخال المساعدات وعودة المهجرين قسرا إلى مناطقهم وأحيائهم، رغم الدمار والألم ، إلا أن الخارجية دعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى الوقوف عند مسؤولياتها القانونية والتاريخية لتنفيذ القرار فورا مشيرة إلى أهمية تكثيف الجهود الدولية بما فيها في مجلس الأمن لوقف إطلاق نار دائم ومستدام يمتد إلى ما بعد شهر رمضان الفضيل، متمنية أن يترافق هذا القرار بخطوات عملية وعواقب على إسرائيل، لدفعها لوقف حرب الإبادة، وغيرها من جرائم الحرب ضد الإنسانية، وأن إنجاح مشروع القرار هو خطوة صحيحة ولكن بحاجة إلى تطوير عن طريق قيام مجلس الأمن الدولي بدوره المناط به في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
الأمريكي يعطي الضوء الأخضر لاستمرار الإبادة بحق شعبنا الفلسطيني
إن هذا القرار وإن كان مرحبا به تحاول من خلاله الولايات المتحدة - عندما امتنعت عن استخدام الفيتو لأول مرة - إظهار نفسها هذه المرة منسجمة ومتجاوبة مع الإرادة الدولية ، لكن تصريحات عدد من مسؤوليها أن القرار لا يؤثر على العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والغدة السرطانية في منطقتنا العربية ألا وهو الكيان الاسرائيلي ، وهذا يعني إعطاؤه الضوء الاخضر لتنفيذ العدوان على رفح واستمرار الحرب على شعبنا الفلسطيني وتهجيره خارج فلسطين ..لأن الإدارة الأميركية "تحاول الموازنة بين رغبتها في إنهاء القتال واستعادة الرهائن وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مع الرغبة في ضمان هزيمة كل من يقف في وجه هذا الكيان.
وأخيراً في المحصلة يبدو أن الأمور باتت رهن التفاهمات الأميركية الإسرائيلية وخاصة بعد ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة و التي جاءت على لسان نتنياهو، حيث اعتبر تراجع الولايات المتحدة في مجلس الأمن يضر بالمجهود الحربي لإسرائيل وباستعادة المختطفين وتهديد وزير الخارجية الاسرائيلي بعدم وقف القتال حتى القضاء على حماس وإعادة المختطفين، والتصعيد الذي جاء على لسان وزير الأمن القومي الاسرائيلي إيتمار بن غفير لناحية مواصلة القتال بأي ثمن لهزيمة حماس بعد القرار الدولي الأخير ، هذا هو المحك الرئيسي الذي يترك المجال مشرعا لعدد كبير من الاسئلة وفي مقدمتها: هل يستطيع مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة إلزام الكيان الإسرائيلي بتنفيذ هذا القرار الذي أجمعت عليه دول العالم ؟ أم أن الكيان الاسرائيلي كعادته سيضرب هذ القرار بعرض الحائط وسيفاجئ العالم بأسره بالهجوم على رفح ويقوض كل فرص انهاء هذه الحرب الشعواء ليستمر بحربه ومجازره بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة أمام أعين العالم أجمع؟