كتب نتنياهو على حسابه في منصة "إكس": " قبل شهرين لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن – وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية. تحتل منطقة الاغوار ما مساحته 840,906 دونم (840.9 كيلومتر مربع)، ما نسبته 14.9% من المساحة الكلية للضفة الغربية.
وتعتبر منطقة الأغوار المورد الأساسي للمنتجات الزراعية في الضفة الغربية وسلة الغذاء الفلسطيني بسبب غناها بالموارد المائية الجوفية والسطحية، حيث توفر فرصا زراعية مربحة جدا للأسواق المحلية الفلسطينية والخارجية على حد سواء، هذا بالإضافة الى الثروة الحيوانية التي تشكل أيضا مصدرا اساسيا للدخل لمعظم العائلات الفلسطينية في المنطقة.
رابين ونتنياهو على نفس الخطى
وتمثل الرؤية القديمة الجديدة عند قادة إسرائيل تحديثاً ملموساً في الفكر الصهيوني حول الضفة الغربية عامة، والأغوار خاصة، فلا عودة لحدود 1967، ونهر الأردن هو حدود إسرائيل الشرقية، والكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية"، بهذا القول اختصر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إسحاق رابين، الأمر غداة توقيعه لاتفاق أوسلو عام 1993، كان رابين يريد الاحتفاظ بثلاث كتل استيطانية قائمة، ولكن خلفه "بنيامين نتنياهو" نجح بإضافة كتلة استيطانية كبرى رابعة هي كتلة "بيت إيل"، ومضى في الوعود القديمة الجديدة بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وضم جميع المستوطنات.
ووفق فتاوى الحاخامات، فإن التنازل عن مناطق الضفة الغربية، لا يجوز شرعًا، وقد أوضح "اليعيزر ملماد"، وهو من رجال الدين المنتمين للصهيونية الدينية، أن ترك الضفة الغربية خارج السيطرة الإسرائيلية ممنوع وفق الشريعة اليهودية، وأن إعطاء العرب الموجودين فيها، مواطنة شبيهة بتلك التي يتمتع بها اليهود، ممنوع أيضًا.
استهداف الأغوار
أما الإجراءات التي ترتكز عليها الرؤية الإسرائيلية فهي إجراءات إحلالية أدّت إلى تحويل منطقة الأغوار الفلسطينية من سلة غذاء فلسطين، إلى منطقة شبه صحراوية مغلقة، فقد كشف الإسرائيليون عن نواياهم بشأن السيطرة على منطقة الأغوار الفلسطينية، منذ بداية الخمسينيات، وشرعوا مبكراً خلال تلك الفترة في إعداد المخططات والبدء في تنفيذها على الأرض، وقد شملت العديد من المشاريع والأنشطة العنصرية مثل إغلاق الجزء الجنوبي لنهر الأردن، وجعل منطقة الأغوار على الدوام منطقة عسكرية مغلقة، فضلا عن تكثيف الاستيطان ومصادرة الأراضي، ومنع تواجد الفلسطينيين فيها والتنكيل بهم، هذه السياسة المتبعة من اجل بسط النفوذ الإسرائيلي وارضاء اليمين التوراتي في حكومة نتنياهو الحالية الذي يعتبر كل فلسطين أرض إسرائيلية لا تنازل عنها.
هذا وقد تم الكشف عن تفاصيل هذا المخطط في مراحل عدة كان أولها في 6/1/2004 حين ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن وزير الزراعة يسرائيل كاتس، ينوي طرح مخطط جديد لتوسيع الاستيطان في غور الأردن. وقام كاتس في اليوم نفسه بجولة في منطقة الغور كي يقف عن قرب على خطط توسيع الاستيطان. وأتت هذه الجولة عشية النقاش الذي أجرته اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي لبحث خطة تطوير وتوسيع مستوطنات غور الأردن وشمالي البحر الميت، وستكلف خطة تكثيف الاستيطان في غور الأردن 60 مليون شيكل خلال العام 2004، يضاف إليها 58مليون شيكل عام 2005.
البعد الأمني مهم
أما البعد الأمني الذي يتوجس منه قادة إسرائيل لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي، فالأمن الإسرائيلي هو محرك السيطرة على المناطق المتاخمة لدول ما يسمى بالطوق، فالأردن مثال صاحب حدود طويلة مع فلسطين التاريخية، والتي تعتبرها إسرائيل الخاصرة الرخوة، فهي بحاجة لتوسيع تلك الحدود وضمان السيطرة عليها بشكل أكبر، لهذا تأتي تصريحات نتنياهو وغيره من قادة الكيان لتصب جميعها في خانة واحدة هي الأمن، وللأسف الإدارات الأمريكية كلها تتساوق مع هذا الطرح، رغم تلويحهم بحل الدولتين ودولة فلسطينية قابلة للحياة، فأي حياة التي تتشدق بها أمريكيا في حال تم فصل الأغوار عن الدولة الفلسطينية.
على ما يبدو الدولة الفلسطينية المنشودة أصبحت غير واردة إذا لم يتم لجم إسرائيل، وإصرار الغرب عن عدم التوسع في أكثر المناطق حساسية على جميع الصعد الأمني والسياسي والاقتصادي. ومع هذه الأهمية، فلا غرابة أن الأغوار سلة الغذاء للضفة الغربية ورئتها العوامل كلها جاذبة للتوغلات الإسرائيلية، فإسرائيل شرعت منذ سنوات بتشيد المصانع وغيرها من المشاريع الحيوية من اجل قطع الطريق على الخوض في مصير الأغوار، وقد تم مؤخرا مصادرة ما يقارب 8000 دنم من أراضي الأغوار، هذه رسالة المراد منها احكام السيطرة عليه، وقطع الطريق امام العالم الذي ينادي بوقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية.