جاء عيد الفطر على غير رغبة هذا العام، بعد شهر رمضان المبارك، وقد صام المسلمون الشهر الفضيل وقلوبهم تتجه صوب غزة، وأفئدتهم يسكنها الألم والوجع والخوف والقلق، وهم يترقبون كل الأخبار، وعلى موائد الإفطار والأسحار تراهم يبتهلون ويرفعون الدعاء طلبًا للعون من رب السماء، بتخفيف الظلم ووقف حرب الإبادة، وأن ينصر الأهل في غزة ويعينهم على هذه الحرب التي تشن عليهم، بلا رحمة، ومن دون إنسانية بل بفاشية واضحة وساطعة يراها ويشاهدها العالم.
قضينا شهر رمضان نمسك على أمنيات وقف الحرب ووقف الإبادة الجماعية، ورفعنا أيدينا بالدعاء بأن يسلم الناس من شرّ هذه الحرب، وطوال الشهر المبارك كانت تعلو الدعوات عند كل وجبة إفطار وعند كل سحور، بأن يلطف الله بالأهل في غزة بعد كل هذه الأشهر التي قضوها تحت الحرب، وسط المعاناة والجوع والقهر والتعب، وبعد أن عاشوا رمضان هذا العام، مختلفًا، وسط ما فقدوا من أحبة وما نقص عليهم من طعام وشراب.
كان رمضان هذا العام مختلفًا بكل ما حمله من مصائب ومصاعب ومتاعب، وبكل جرعات الألم والوجع والفقد، وقد انتهى على أهل غزة كبقية أشهر الحرب، فلا فرق، فهم جوعى، بلا طعام ولا شراب، ولا دواء ولا غذاء، وبلا بيوت حيث يسكنون الخيام ومراكز الإيواء، لكنهم لم يقنطوا من الدعاء والرجاء والابتهال إلى الله، وأقاموا الليل وواصلوا الصلاة والصيام والاستغفار، وواصلوا الصمود والثبات والبقاء في ذات الوقت، رغم كل ما يحدث من حرب دموية إجرامية، مثبتة الأركان بالجرم المشهود في كل المحافل الدولية، بيد أن تلك المحافل طال انتظارنا لها على أمل أن توقف الحرب، لكنها حتى اليوم لا تفعل.
إن العيد بمعناه مناسبة للتكافل والتضامن وتعزيزا للروابط الاجتماعية، وهو مناسبة للتماسك والتعاضد، ولهذا فإن التكافل في هذا اليوم والتعاضد يكون مع الأهل في غزة، ومع معاناة الناس هناك وواقعهم الصعب المرير، حيث حرب الإبادة تتواصل بدموية غير مسبوقة، وحيث الناس يعيشون ظروفًا قاهرة وقاسية.
عيد الفطر، شعيرة من شعائر الله، لكنها منقوصة في ظل الحرب التي تدور رحاها في غزة، ولا تزال مستمرة من دون توقف، بل إنها تتصاعد بوتيرة مختلفة عن السابق، وفي غالب الوقت فإنها أكثر فتكًا وأكثر نزفًا وأعمق جرحًا في الروح والخاصرة، وظروف الناس باتت مستحيلة، وحياتهم في خيام ومراكز إيواء مكتظة، لم تعد صالحة لاستخدامات البشر، وليس فيها أي مرافق، وبيوتهم هدمت، وأملاكهم قصفت ودمرت مواردهم، وعائلاتهم أبيدت وكثيرًا منها شطبت من السجلات، وما بين شعيرة الله وعذابات شعبنا بتنا نخجل أن نحتفي بالعيد، وأن يقول أحدنا للآخر كل عام وأنت بخير، فكيف نكون بخير في ظل هذا الحال الذي نعيشه؟ وكيف نكون بخير وغزة تحت الحرب والعدوان؟ الحق الحق لسنا بخير، فلا هو عيد ولا هو سعيد وكان الله في عون الناس في غزة.