ما هو مفهوم "الزمن" في الحرب التي لها معنى مختلف، وهو العامل الحاسم في تحقيق " الانتصار"، وفقا لما قاله رئيس هيئة الأركان في تبرير الانسحاب من "خانيونس"
واضح أن رئيس هيئة الأركان "هيرتسي هاليفي" يحاول جهده ان يبرر الهزائم تلو الهزائم التي يتعرض لها جيشه في قطاع غزة، رغم كل الدمار والإجرام الذي مارسه خلال ستة اشهر ونيف من حرب الإبادة.
حيث يتهم المحلل السياسي في جريدة يديعوت أحرنوت "نداف إيال" الجيش في عدم تحقيق الأهداف، ويقول " إن فشل إسرائيل لا يعتمد على طرح أهداف الحرب- التي حظيت بدعم كامل من جميع الدول الغربية- الفشل يكمن بالكامل في التنفيذ"، مضيفا أن "الحرب لا تُكسب بالقتل فقط، بل هناك حاجة إلى عمل سياسي تكميلي"، لكن كما يبدو إعتقدت هيئة اركان جيش الإحتلال ان النصر يكون عبر الإنتقام وعبر سياسة الأرض المحروقة، ويرى "نداف" أن اول بشائر الفشل كانت "معاناة المدنيين في غزة"، ويقول: "أولئك الذين يريدون الإطاحة بحكم حماس في غزة لا يقومون بحملة إنتقامية على الطراز الروماني، ولا يقومون ببناء جدار وقائي او عمل إنتقامي كما لو كان الأمر في الخمسينيات ( العقد الخامس من القرن الماضي)".
يتضح أن الغالبية العظمى ممن يقرأون ما حدث خلال الستة اشهر الماضية وفقا للمنظور الإستراتيجي السياسي والعسكري، وليس وفقا لما احدثه الجيش الإسرائيلي من كارثة فوق كارثة، لذلك يرى "نداف" أن إسرائيل كانت ترغب في إستعادة قوة الردع، والقضاء على حماس، وتحرير الأسرى المحتجزين في غزة، ولكن لم يتم تحقيق أيٍ من هذه الأهداف"
ولقد كان وقع الأثر كبير لإنسحاب الفرقة '98" من "خانيونس" كونه فاجأ الكثير من المحلليلين العسكريين، كون ان الأهداف الإسرائيلية الإساسية وفق "عاموس هارئيل- لم تتحقق"، وقد كتب "هارئيل" في جريدة "هآرتس" بتاريخ 8 إبريل/نيسان أن "هدفي الجيش الإسرائيلي هما القبض على كبار مسؤولي حماس في غزة وإنقاذ الأسرى المحتجزين لدى المقاومة"، ويرى "هارئيل" وهو المحلل العسكري لِ جريدة "هآرتس" أنه "يجب ان يقال للجمهور الحقيقة: أن الموت الهائل والدمار الذي يتركه الجيش الإسرائيلي وراءه في غزة، إلى جانب الخسائر القليلة من جانبنا، لا يقربنا حاليا من تحقيق أهداف الحرب"
اما مفهوم وعامل "الزمن" كما يراه رئيس هيئة الاركان "هاليفي" بإعتباره عامل "إنتصار"، فيراه غيره عامل هزيمة، بل يؤكد على فشل كبير وإستراتيجي للجيش الإسرائيلي عسكريا، عكس نفسه بالضرورة فشل كبير سياسي لِ "نتنياهو" رئيس وزراء إسرائيل وحكومته اليمينية.
"توم فيليبس" الدبلوماسي والسفير البريطاني السابق في "السعودية" و"إسرائيل"، كتب في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 9 إبريل/نيسان، أن "حماس أعادت تأكيد نفسها كقوة لا يستهان بها"، وأنها نجحت في تحويل هجوم الجيش الإسرائيلي إلى "اطول من أي حرب خاضتها إسرائيل على الإطلاق"، و "بفعلها ذلك تكون حماس قد ألحقت ضرر كبير بمكانة الردع التي تتبجح بها كثيرا" فَ "الجيش الإسرائيلي لم يعد يبدو انه لا يقهر"
ويرى "فيليبس" أن "حماس" حققت ايضا التالي:
اولا- منعت التطبيع مع السعودية الذي كان ممكن الحدوث قبل السابع من أكتوبر/تشرين
ثانيا- أعادت القضية الفلسطينية بشكل مباشر إلى الخريطة الدولية بعد سنوات من فشل السلطة الفلسطينية في القيام بذلك.
ثالثا- والنصر الأخير لِ "حماس" يتمثل في "السرعة المذهلة التي تسير بها عملية نزع الشرعية عن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين في نظر الكثيرين في العالم
أما ما يمكن قوله بعد ستة اشهر من الإبادة، فإن "زمن" رئيس هيئة الأركان "هاليفي" لم يشكل عامل "إنتصار" بقدر ما اصبح يشكل مخاطر إستراتيجية على "إسرائيل"، حيث جبهة الشمال وتأثيراتها وضغطها على الداخل الإسرائيلي من دمار ونزوح، وحصار "أنصار الله -اليمن" "لإسرائيل" لاول مرة في البحر الأحمر الذي تعتبره جزءا من فضائها الأمني وعكس ذلك على الوضع الإقتصادي لدولة إسرائيل وعلى الواقع الأمني الجديد في المنطقة وبالذات لما كان يُعد له بتحويل "البحر الأحمر" إلى بحيرة أمنية "أمريكية-إسرائيلية"، ووصول الطائرات المسيرة من "العراق" إلى مدينة "إيلات" بعد ان كانت مدينة آمنة، وأخيرا إنتظار الرد "الإيراني" الذي يرعب ليس "إسرائيل" وحدها وإنما "أمريكا" والمنطقة ككل، مما إستدعى هرولة سريعة لحضور قائد القيادة المركزية الامريكية الجنرال "إريك كوريلا" إلى إسرائيل للتنسيق بشأن الرد الإنتقامي "الإيراني" المحتمل، وهذا يشير بوضوح إلى أن كل ثانية من "زمن-هاليفي" أصبحت تعاكس نظرة "الإنتصار" التي يتبجح فيها، او يحاول التغطية من خلالها على الفشل الكبير لكل مفاهيم العمل العسكري والسياسي، وأن "زمنه" قد يحول كل المنطقة إلى كتلة نار ملتهبة
لكن "زمن" رئيس هيئة الاركان "هاليفي" نجح بإمتياز في جرائم الحرب والسلوك الإجرامي عبر الإبادة والتطهير العرقي وعملية التدمير الممنهجة التي مورست في "غزة"، إلى درجة أنه يستحق جائزة أكبر مجرم حرب
مفهوم "الزمن" عند جنرالات الجيش الإسرائيلي وسياسييه وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، هو عملية بلا نهاية، لأنه يحق لٍ "إسرائيل" ما لا يحق إلى غيرها، فهي محمية "أمريكية" يُسمح لها بأن تكون فوق القانون تعمل ما تُريد دون حسيب او رقيب، لكن هذا "الزمن" تغير، بل إنقلب على مُريديه وصانعيه، وأصبحت "إسرائيل" تحاكم في "محكمة العدل الدولية"، بتهمة "الإبادة" و "التطهير العرقي"، بل أصبحت كلمة "إسرائيل" ترادف مصطلح "جرائم الحرب" في كل انحاء العالم
صحيح أن "إسرائيل" اليمينية الدينية المتطرفة تحاول إستغلال هذا "الزمن" في "الضفة الغربية" حيث الوضع خطير جدا، كما يحدث في مناطق "جيم"، حيث تم تهجير اكثر من 25 تجمعا بدويا، ووضع "141" بوابة تعزل القرى عن مدنها، وتعزل المدن عن بعضها البعض، في محاولة واضحة إلى خلق "كانتونات" بلا تواصل جغرافي، عدا عن مصادرة الأراضي والإستيطان وإنشاء بنية تحتية من شبكات الطرق والمياه والكهرباء، وربط مستوطنات بعضها ببعض، ولكن كل هذا ليس بسبب تداعيات السابع من أكتوبر/تشرين، وإنما وفقا إلى برنامج معد سلفا ومرصودٌ له ميزانيات كبيرة من قبل حكومة اليمين الدينية، والتي تنتهج سياسة وخطة "الحسم" التي وضعها الوزير المتطرف "سموتريتش"، وليس وفقا إلى "زمن" "هاليفي"
صمت الضفة الغربية وعدم مواجهة سياسة الوزيرين "سموتريتش" و "بن غفير"، هو الذي سيمكن هذه الحكومة من تنفيذ برنامجها الإستيطاني، وليس بسبب من تداعيات السابع من أكتوبر/تشرين، وعلى العكس من ذلك، لو تحركت الضفة وسلطتها بالحد الادنى بإنتفاضة شعبية سلمية لفرضت تغييرات كبيرة، ليس فقط على الجانب "الإسرائيلي" وإنما على التحرك "الأمريكي" ودفعه لممارسة ضغوطات مُجدية تؤدي لوقف هكذا سياسات، لكن من يرتهن للوعود "الأمريكية" سوف يجد في النهاية وقد وصل الإستيطان الفعلي إلى مقاطعة "رام الله"
أما من سينقذ كل شيء هو دماء غزة، وكارثة غزة، واطفال ونساء غزة لأن طول مدة الحرب و "زمن" هاليفي تعني:
اولا- تآكل مكانة ردع الجيش الإسرائيلي الذي كان لا يهزم وفجأة اصبحت إمكانية هزيمته واردة وممكنة وواقعية
ثانيا- طول المدة و "زمن" "هاليفي" ستزيد من عزلة دولة "إسرائيل" في المجتمع الدولي، بل ستؤدي لسرعة نزع الشرعية عنها وفق حديث الدبلوماسي البريطاني السير "توم فيليبس".
ثالثا- طول مدتها تعني إمكانية تزايد نسبة التصعيد في الإقليم، وهذا ما نشاهده اليوم، مما سيفرض معادلات جديدة ستعكس نفسها بالضرورة ليس على غزة فحسب وإنما على الضفة الغربية والقدس أيضا
رابعا- "زمن" رئيس الأركان "هاليفي" قد يقلب الوضع في "الضفة" رأسا على عقب، رغم أن وجود "السلطة" حتى الآن يقف جدار امام حدوث اي تغيير جذري فيها، بسبب من إرتهانها للوعود "الأمريكية"
خامسا- طول الحرب ومحاولة إستغلال "الزمن" الذي يريده رئيس هيئة الأركان "هاليفي" في محاولة إلى خلق واقع امني ديموغرافي وجغرافي جديد في قطاع "غزة" هو جزء من الأهداف وضمن الرؤيا الامنية، وهذا يعني إستمرار حرب العصابات وتحويل الحرب إلى حرب إستنزاف كما يحدث الآن، وعلى المدى البعيد فإن هذا لا يخدم المصالح الإسرائيلية في الأمن والإستقرار والإزدهار
قد تكون "إسرائيل" قد تعودت على مفهوم "إحتلال خمس نجوم" في "الضفة الغربية" بسبب من واقع سياسي قيادي فلسطيني عاجز ومتردي، ولكن في "غزة" فالأمر سيكون كما "الزنة" او كما اسموه "كمين الأبرار"، وليس كما "كمين البناشر" في "الضفة"، لذلك ستكون الأثمان المدفوعة أكبر بكثير من القدرة على تحملها، وهذا سينعكس بالتأكيد على مجمل القضية الفلسطينية
أخيرا، نتنياهو وضباط قيادات الجيش اليمينيين عالقون في غزة، ووضعوا كل دولة إسرائيل في ازمات في الإقليم وفي المجتمع الدولي وفي داخلها، وسوف تتعمق تلك الازمات كلما طالت مدة الحرب، وحدها الضفة قد تضيع إذا بقيت تعمل بالطريقة المرتهنة للسياسة الأمريكية، لكن أعتقد أن "زمن" رئيس هيئة الأركان "هاليفي" سينقذ ضياع الضفة والقدس لأن "غزة" حاضرة وهي من ستحسم ذاك "الزمن"