كان مشهد مندوب زعيمة الإمبريالية العالمية، المعروفة باسم أميركا يوم 18 أبريل 2024، شاذا عن كل ما له صلة بالقيم الإنسانية أولا، وبالحقيقة السياسية ثانيا، عندما وقف رافعا إصبع الدسائس رافضا عضوية دولة فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، خلال تصويت مجلس الأمن، وحيدا مقابل غالبية نادرة لفلسطين الكيانية، مشهد أظهر أن "الشذوذ السياسي" مبدأ صنعته الولايات المتحدة سلاحا قهريا.
يوم 19 أبريل 2024، وخلال مؤتمر صحفي بعد لقاء مجموعة السبع في مدنية كابري الإيطالية، أجاب وزير خارجية أمريكا اليهودي الصهيوني بلينكن، وهو ينظر لأسفل مدركا أنه سيكذب قبل أن ينطق، حول رفض بلده عضوية فلسطين، بأنهم مع دولة فلسطينية تأتي بالطرق الديبلوماسية وعن طريق التفاوض ومع ضمانات أمنية لإسرائيل.
من باب تذكير الوزير الأميركي، والذي يبدو أن مستجد في مسار السياسة العملية، لم يراجع أرشيف وزارته حول مبادرات قدمتها لحل الصراع، ومنها ما يعرف بمبادرة "حل الدولتين" التي عرضها الرئيس بوش الابن يونيو 2002، وليس الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا القمة العربية، فهي منتج أمريكاني صاف، أصبحت قرارا أمميا في مجلس الأمن، وموقفا للعالمية السياسية.
وتجاوزا لجهله السياسي، أو تجاهله السياسي لما سبق من مبادرات خاصة بحل الصراع مع دولة الكيان، ولنفترض أن المسألة تبدأ في اليوم التالي لرفض واشنطن عضوية فلسطين، هل يستطيع الوزير بلينكن أن يحدد ما هي "الضمانات الأمنية" التي يمكن أن تشكل قاطرة الاعتراف بدولة فلسطين، وليكتب بها ما يراه من عناصر يعتقد أنها توفر لها كل "الأمن الممكن".
ولكن، ربما يحتاج الوزير النشط في خدمة "اليهودية الكيانية" بلينكن، أولا لتعريف تعبير "الأمن" في مفهوم دولة الكيان وخاصة مع التحالف الفاشي، وأن هناك صعوبة ليكن من التحالف الأمريكي بقيادة غانتس – لابيد، هل هناك مفهوم محدد لتعبير "الضمانات الأمنية"، وأين تقف حدودها التي يمكن اعتبارها مقبولة، وعلاقة تلك بالسيادة الخاصة لكل من الدولتين، وكذا الحدود المعترف بينهما.
هل الضمانات الأمنية تتعلق بفلسطين أم ترتبط بجوارها في مصر والأردن وسوريا ولبنان وبلاد الرافدين، باعتبارها ذات صلة ترابطية بالمفهوم الأمني الاستراتيجي، ما قد يعيد التفكير بحل إقليمي وليس حل ثنائي.
هل يستطيع الوزير الأمريكي أن يحصل من دولة الكيان على وثيقة تحدد رؤيتها لحل مع الشعب الفلسطيني، وهل هي بالأصل تعترف بوجود شعب وهوية وأرض، خاصة بعدما أعلن كل من جاء للحكم بعد رابين رفضهم الاعتراف بتلك الثوابت، ربما اختلف معها أولمرت عبر مبادرة أوقفتها أمريكا، بعدما اعتبرتها تجازا لـ "الخط الأحمر" المرسوم أمريكيا لحل لا زال مجهول الهوية.
وفي سياق الموقف الأمريكي، اعتبر بلينكن ان الدولة الفلسطينية يجب أن تأتي عبر المفاوضات وبالطرق السلمية أو السياسية أو الديبلوماسية، لا يهم التعبير، ولكن هل أصبحت الأمم المتحدة ومؤسساتها أدوات "إرهاب سياسي" لا يحق لها مناقشة تلك المسألة، وهل ينطبق ذلك الموقف على دولة غير فلسطين، أم هو حصرا لها، علما بأن جوهر الأمر تعديل وضعية قانونية من مراقب الى عضو كامل، وأن محكمة الجنائية الدولية منحت فلسطين صفة دولة بحدود واضحة.
ماذا لو طلبت الرسمية الفلسطينية بتقديم "رؤية أمريكية" حول دولة فلسطين، ولتكن بمواصفات أمريكية كاملة، فهل يتمكن بلينكن من الحصول على موافقة دولة الكيان عليها، خاصة وأن من رفض كل المبادرات التي أطلقتها واشنطن للحل كانت حكومات تل أبيب.
ليت الرسمية الفلسطينية ومعها المجموعة العربية تطالب الإدارة الأمريكية بتقديم "رؤية كاملة" حول دولة فلسطين بما يشمل "الضمانات الأمنية"، بدلا من البقاء في مسار "القيل والقال السياسي"، والخروج من دائرة "مكذبة المطالب"، ورغم أن أمريكا، هي من يقف عقبة أمام فلسطين...دولة وهوية وقضية، وتجربة المفاوضات الفلسطينية مع دولة الكيان كشفت تلك الحقيقة التي يمكن اعتبارها مطلقة.