الإستهداف للمسجد الأقصى والسعي لفرض وقائع جديدة فيه، بما يغير من طابعه الديني والقانوني والتاريخي، ليس جديدا، ولكن بعد تشكل حكومة اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،
تسارعت الخطوات على صعيد تهويد المسجد الأقصى، فبن غفير صاحب مشروع فرض السيادة والسيطرة على الأقصى، والمتمثل في الغاء الوصاية الأردنية على الأقصى، تلك الوصاية التي يجري تجويفها وتفريغها من محتواها شيئاً فشيئاً، وكذلك هناك سعي حثيث من أجل الغاء الإشراف الإداري للإوقاف الإسلامية على الأقصى، حيث وجهت إتهامات للأوقاف الإسلامية بأنها منظمة "إرهابية" من قبل جماعات يهودية متطرفة.
وبن غفير شخصياً اقتحم الأقصى ثلاث مرات كوزير في عام 2023 ، كانون ثاني وايار وتموز /2023، وبن غفير ومعه مروحة واسعه من وزراء واعضاء الكنيست من الحكومة الحالية، ومعهم حاخامات وجماعات تلمودية وتوراتية منضوية تحت ما يسمى بمنظمات الهيكل، يعتبرون بأن المسجد الأقصى، هو أقدس مكان بالنسبة لليهود، وهو بيت الرب، الذي يجب ان يستمر الصعود اليه، حتى يتحقق حلمهم بهدم مسجد قبة الصخرة وإقامة ما يسمى الهيكل المزعوم مكانه.
من بعد معركة 7/اكتوبر 2023، وفي ظل حالة الحصار الطويل التي فرضت على المسجد الأقصى ومنع المصلين من الوصول إليه، إلا بأعداد محدودة ولأعمار معينة، وقيود مشددة، تكثف العدوان على الأقصى، حيث كان شبه خاليا من المصلين، وكانت تجري الإقتحامات له من قبل الجماعات التلمودية والتوراتية تحت حماية وحراسة جيش وشرطة الإحتلال بحرية تامة، مع استمرار التخطيط لإحداث إختراقات جوهرية في مكانة ووضعية المسجد الأقصى، بما يمكن من فرض السيادة والهيمنة اليهودية عليه، والانتقال به من الزمن الإسلامي الى الزمن اليهودي عبر سياسات الإحلال الديني، وتوظيف كل مناسبة دينية و" قومية"، لتحقيق حلم إقامة الهيكل المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة، بإنتظار مجيء المسيح المخلص لبناء الهيكل، وتكريس الأقصى كمكان للعبادة اليهودية.
هذه المعاني الرمزية المكثفة هي التي تجعل اليمين الصهيوني بمختلف مواقعه في الحكومة والأمن والمحاكم وجماعات الهيكل يرى فيه هدفاً يستحق الإصرار عليه، لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
الجماعات التلمودية والتوراتية، تعتقد انها انجزت كل ما يتعلق بما يسمى طقوس أحياء الهيكل المعنوي، من نفخ للبوق في ساحات الأقصى، وممارسة طقوس السجود الملحمي، ودخول معظم المصلين بلباس الكهنة البيضاء، وإدخال قرابين الفصح النباتية من سُعف النخيل وأغصان الصفاف وثمار الحمضيات مجففة.
في عيد الفصح اليهودي هذا والذي تدعو فيه جماعات ومنظمات الهيكل و"عائدون الى جبل المعبد" اعضائها وانصارها في ليلة 22 للإحتشاد على بوابات المسجد الأقصى، من اجل محاكاة إدخال قرابين الفصح الحيوانية الى ساحات المسجد الأقصى وذبحها ونثر دمها على مسجد قبة الصخرة، إيذاناً بالشروع في إقامة الهيكل الثالث، وهي رصدت جوائز مالية تصل 50 ألف شيكل لكل من ينجح في إدخال جدي او خروف الى داخل الأقصى، ومن يحاول ويفشل 25 ألف شيكل.
هذه العملية تمهد للخطوة الأكبر، والتي باتت تقترب مرحلة تنفيذها، مستغلين حالة "الموات" العربي والإسلامي، وغير عابئين بما يرفع من شعارات و"جعجعات" كلامية عن تحويل الصراع الى صراع ديني، فمن لم يقفوا الى جانب قطاع غزة، بعد حرب تدخل يومها الثامن والتسعين بعد المئة، ليس بالمعنى الدعم العسكري، فهم اعجز من ان يقوموا بهذا الدور، حتى في الجوانب الإنسانية والإغاثية، لم يقوموا بدورهم وواجبهم.
التغيير الكبير في وضع ومكانة الأقصى التي يريدها بن غفير وكل المتطرفين وجماعات الهيكل، هي السعي الى ذبح واحدة من البقرات الخمس الحمراء التي تم استولادها جينياً عبر الهندسة الوراثية في ولاية تكساس الأمريكية، وتم احضارها في تشرين أول/2022، ووضعت في أماكن سرية في منطقة بيسان، حتى تبلغ عدتها الشرعية (عامين فما فوق)، كي يجري ذبح إحداها.
في البداية كان الحديث يجري عن أن تذبح على قطعة ارض استولى عليها المستوطنون في جبل الطور المقابل للمسجد الأقصى، وعلى ان تجري طقوس عملية الذبح في مستوطنة "شيلو" قرب نابلس، ولكن يبدو أن الأمور تغيرت، بان تجري عملية الذبح في داخل الأقصى، على ان يكون ذلك في عيد الفصح اليهودي، ولكن الظروف والأوضاع المتصاعدة في المنطقة والإقليم، أجلت عملية التنفيذ، دون التخلي عن الفكرة، وذبح البقرة الحمراء، بهدف التطهر مما يعرف ببند نجاسة الموتى لتجاوز قرار الحاخامية الكبرى، بانه يمنع على اليهود إقتحام الأقصى بدون بند التطهر، فذبح البقرة واستخدام خشب الزيتون في حرق جثتها ونثر رمادها على أكبر عدد من الحاخامات، من شأنه أن يضع المسجد الأقصى أمام عمليات إقتحام واسعة تصل بالآف يومياً، فإذا كان معدل الإقتحامات اليومية الأن 100 -150 مقتحم، فالرقم سيصل الى 1500 -2000 مقتحم يومياً، وليصل في الأعياد اليهودية وخاصة الفصح ورأس السنة العبرية وما يعرف بيوم الغفران وعيد العرش اليهودي الى 5 آلاف مقتحم فما فوق.
وهذا يعني أن هذه الأعداد لن تكون اقتحاماتها دخولاً وخروجاً للأقصى من بوابة باب المغاربة والخروج من باب السلسلة، بل ستوسع من دائرة اقتحاماتها من أكثر من بوابة، وبالذات بوابات باب الإسباط وباب حطة، وستحاول بسط سيطرتها على مصلى باب الرحمة، لكي تحوله الى كنيس يهودي، وتقيم في ساحته البالغة 500 م2، مدرسة دينية، بحيث يقوم المقتحمون من باب المغاربة، بالتوقف لسماع دروس وشروح تلمودية وتوراتية في المدرسة الدينية، ويؤدون طقوسهم وشعائرهم الدينية في الكنيس، ويصبح خروجهم من باب الاسباط، هذا الباب الذي يتحكم بالحركة التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة، والذي من خلاله يدخل تجار القدس بضائعهم إلى البلدة القديمة، وهذا يعني بأن الحركتين التجارية والإقتصادية ستصابان بالشلل.
ويبقى السؤال المركزي هنا في ظل كل التطورات والمتغيرات التي تحصل، وفي ظل حالة " الموات" العربي والإسلامي، وما نشهده من حالة " توحش" و"تغول" اسرائيلي غير مسبوقين، والهجمة الشاملة التي تشن على الشعب الفلسطيني، وخاصة ما تتعرض له مدينة القدس من طرد وتهجير وتطهير عرقي وهدم غير مسبوق للمنازل وتكثيف للإستيطان والبؤر والمشاريع الإستيطانية في المدنية، فهل سيتمكن حائط الصد الأمامي من سكان القدس والداخل الفلسطيني-48- بشكل خاص، من إفشال مشاريع ومخططات التهويد للأقصى، أم أن الهجمة ستكون اكبر بكثير من قدراتهم وإمكانياتهم، ويكون مصير الأقصى كمصير الحرم الإبراهيمي الشريف..؟؟
أسئلة لن تطول الإجابة عليها، وقادم الأيام سيجيب على ذلك، مع ثقتنا بأن شعبنا في القدس والداخل الفلسطيني نجح في إفشال مخططات تهويد الأقصى السابقة .