التقرير الأخير حول عمل الاونروا والادعاءات ضد عامليها بغزة خائب ومبتور وغير مرحب به
بعد ادعاءات إسرائيلية ثبت بطلانها ضد ١٢ موظف يعملون لدى الاونروا بغزة حول ضلوعهم المزعوم بهجمات ٧ أكتوبر من العام الماضي وبطلان كذبة ان ٤٥٠ موظف تابع للاونروا ينشطون مع قوى العمل الوطني سارعت عديد الدول المتبرعة للاونروا تعليق مساهمتها المالية في ذات الوقت الذي تواصلت فيه حرب الإبادة على غزة وتجويع أهله ومنع الاونروا من التحرك خصوصا في شمال القطاع وقصف مراكز الايواء خاصتها والذي رافقها محاولات محمومة لشيطنة الاونروا ومحاولات إيجاد بدائل لها. تحرك الأمين العام محموما وطلب من لجنة التحقيقات التابعة له اجراء تحقيق داخلي حول هذه المزاعم (تحقيقا ما زال جاريا منذ شهور!) وأردفه بتشكيل لجنة مراجعة مستقلة برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة،كاثرين كولونا، مدعومة من ثلاثة مؤسسات بحثية اسكندنافية للنظر في هذه الاتهامات وكذلك فحص الأطر الناظمة والإجراءات المعمول بها داخل جسم الاونروا وأين أوجه القصور واطار حيادية عامليها وحيادية مرافقها ..الخ.
بعد تسعة أسابيع وبعد اجتماعات مع ٤٧ شخص من ممثلي دول وهيأت دولية ولقاءات مع اكثر من ٢٠٠ شخص — تسعة أسابيع إستشهد خلالها ألوف مؤلفة من أهلنا بغزة قتلا وقصفا وتجويعا ، صدر أخيرا تقرير السيدة كولونا من ٥٤ صفحة حاملا بين طياته ٥٠ توصية (٥٠ ورقة ضغط اضافى على جسم الوكالة). التقرير أكد المؤكد بأن الادعاءات ضد عاملي الاونروا هي باطلة وبدون أي دليل وهذا ليس بجديد وبات معروفا للدول التي حجبت دعمها للاونروا منذ فترة ليست بالقصيرة. هذا التقرير، والذي بالمناسبة سبقه عشرات التقارير والمراجعات المماثلة عبر السنوات الماضية، كرر ذات "اللت والعجن" حول ضرورة المزيد من الإصلاحات (وهذه هي الكلمة السحرية دوما) على جسم الوكالة. حسنا، أنا أدعي ان الهدف الأساسي من هذا التقرير هو محاولة التدخل بفاعلية بآليات عمل الاونروا والتدخل بطبيعة خدماتها المقدمة وعمل ٣٢٠٠٠ موظف يعملون لديها بهدف إضعافها أكثر ولجم دورها أكثر وتبهيت مرجعيتها القانونية ورمزيتها السياسية ولجم عامليها واستمرار الجهود في تحويلها الى مؤسسة تنموية وتطويرية تنشط لذات الهدف المنشود في توطين لاجئي فلسطين وشيطنة دورها فى غزة للتغطية على الإبادة المستمرة على قطاعنا الفلسطيني.
ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام للاونروا بالتقرير وتبنيه هكذا وبدون تفنيد أو تقديم اية ملاحظات او التأني ودراسة تداعيات توصياته المكثفة يثير تساؤلات للخفة والسرعة في تبني توصيات اعتقد ان هدفها يشير لمزيد من إضعاف الاونروا وعزلها وتهميشها. الضرر المالي على الاونروا وتداعياته الكارثية على الخدمات المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطيينين بسبب اداعاءات كاذبة مستمر والتداعيات السياسية ومحاولات اضعاف وانهاء عمل الاونروا كهدف استراتيجي للكيان وبعض من داعميه أيضا ما زالت مستمرة وياتي بعدها هذا التقرير متضمنا بين دفتيه "توصيات" لزاما علينا التحذير منها:
-أشار التقرير الى غياب جسم تنفيذي يشرف على عمل الاونروا (من خارج إدارة الاونروا) وأن الهيئة الاستشارية والتي تضم ممثلين عن الدول المتبرعة والمضيفة هو جسم استشاري وقد يكون ذلك غير كاف. أنا اعتبر ان هذه التوصية خطيرة ومدخل للمحاولة مرة أخرى للتشكيك او على الأقل "تبهيت" مرجعية الاونروا القانونية والسياسة الا وهى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. علينا الانتباه لخطورة هكذا محاولات وان لا ننظر لها كدعوات بريئة تهدف فقط لتعزيز عمل الوكالة وآليات اتخاذ القرارات ومن يشرف عليها إداريا وإجرائيا – هي ليست كذلك!
-التقرير نادى الى ضرورة تعزيز مفهوم "الشراكة" بين الأونروا ومؤسسات رديفة من داخل جسم الأمم المتحدة ومن خارجه. هذه أيضا ليست بدعوة بريئة وهى محاولة إضافية لإقحام مؤسسات أخرى بعمل وولاية الاونروا وتسليم بعض من خدماتها لجهات أخرى. إنظروا هنا لمحاولات منظمة الغذاء العالمي، وهى منظمة تابعة للأمم المتحدة ، الالتفاف على دور الاونروا في غزة واستجابتها لأخذ دور الوكالة عندما ازدات وتيرة شيطنة الاونروا اسرائيليا(!) ومحاولة تعزيز عمل مؤسسة اليو.اس.ايد التابعة لوزارة الخارجية الامريكية بين صفوف اللاجئين وعمل منظمة المطبخ المركزي الامريكية في غزة كبدائل لعمل الاونروا وان كان الادعاء غير ذلك. الهدف من كل ذلك واضح ولا حاجة لشرحه!(ومصيبة ان كان هناك حاجة لشرحه).
-أنا أدعي أن التقرير، وبخبث، أقحم قضية المناهج الفلسطينية المعمول بها بمدارس الاونروا في فلسطين وقدم توصية خطيرة بحقها. التقرير أعاد نفس الأسطوانة المشروخة حول هذه المناهج وانها تحفز على "العنف والكراهية" وذكرنا ان ١٥٧ كتابا مدرسيا فلسطينيا راجعه العالم أجمع وأنه بعد ان عصرنا عصرا "وعقم" مناهجنا تعقيما عميقا! الا انه ما زال هناك الحاجة لمزيدا من "التنظيف" لإن التقرير مثلا ممتعض من ان المنهاج ما زال يشير الى ان القدس هي عاصمة فلسطين! ما الداعي لإثارة السيدة كولونا لاعادة طرح ذات الموضوع الذي اشبع تمحيصا ومراجعة وفى ظل غياب معيب من كافة الأطراف الدعوة، ولو لمرة واحدة، مراجعة المناهج الإسرائيلية المتعالية والفوقية.
-التقرير شحذ سيف الحيادية المسلط على رقاب ٣٢٠٠٠ الف موظف يعملون مع الاونروا وان المحاولات الدؤوبة على مدار سنوات طوال للجمهم ومنعهم من التعبير عن انتمائهم لشعبهم ولقضيتهم كلاجئين غير كافية ويجب تكثيفها وان اتحاد العاملين داخل جسم الاونروا هو اتحاد مسيس ومعادى لإدارة الاونروا فقط لإنه يرتكز على حاضنته الشعبية الفلسطينية ولأنه يدافع عن حقوق العاملين المطلبية والعادلة. التقرير نادى بضرورة بذل المزيد لكي الوعى ولجم العاملين حتى من التعبير عن أي شيء يتعلق بفلسطينيتهم او بخصوص حرب الإبادة على صفحات التواصل الاجتماعي! والمسيء في تقرير كولونا هو الإشارة الى ضرورة الحفاظ على حيادية مرافق الاونروا وحمايتها من تدخلات الأطراف وهى لم تكلف خاطرها اثناء مؤتمرها الصحفي بالأمس ،ولو انشائيا، إدانة قصف عشرات مرافق الاونروا ومراكز إيواء النازحين اليها في غزة واستشهاد مئات منهم داخل هذه المراكز ومن ضمنهم موظفي الاونروا بسبب القصف المتعمد لها.
آمل ان لا يتم الترحيب فلسطينيا بهذا التقرير. تقرير دسمه قليل وسمه كثير! وآمل ان لا نبقى رسميا وشعبيا نقف مكتوفي الأيدي ندين ونستهجن ما يجرى من هجمات متتالية على الاونروا وعلى دورها ورمزيتها وعلى حق العودة ذاته ويغيب عنا برنامج عمل مكثف وواعى للدفاع عن هذه المؤسسة الأممية وتحصينها في خضم حرب الإبادة المستمرة على غزة والحرب على حق العودة.