بعد استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون حاليفا، جاءت استقالة قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي يهودا فوكس بمثابة الصدمة الأكبر غير المتوقعة في الجيش الإسرائيلي. فاستقالة الأخير التي قدمها لرئيس هيئة الأركان والتي ستدخل حيز التنفيذ في شهر آب القادم، لا علاقة لها بهزيمة الجيش في هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، فهو مسؤول عن المنطقة الوسطى التي تضم كامل الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس ومنطقة "غوش دان" التي تسمى "تل أبيب الكبرى".
وبالتالي هو لا يتحمل أي مسؤولية عن الفشل الذي مني به جيش الاحتلال وأذرعه ذات العلاقة.
بل إن الصدمة نبعت أيضاً من كون فوكس أحد المرشحين البارزين لتولي منصب رفيع في أعقاب الاستقالات المتوقعة لكبار قادة الجيش بعد انتهاء الحرب كما هو متوقع.
تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلي عن أسباب استقالة فوكس التي على ما يبدو بسبب الصراع مع المستوطنين اليهود وتدخل المستوى السياسي بشكل كبير في عمل الجيش المهني والتصادم بين مصالح بعض الوزراء وقادة الجيش وخاصة في منطقة الضفة الغربية، على خلفية دعم المستوطنين وإطلاق أيديهم في التنكيل بالفلسطينيين بشكل يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة وفق رؤية الجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك".
وقد وصلت الانتقادات حد الهجوم على فوكس شخصياً بسبب تدريب عسكري للتعامل مع هجوم على غرار السابع من أكتوبر يشمل محاكاة لقيام مستوطن يهودي بخطف مواطن فلسطيني.
كما أن البدء بمعاقبة المستوطنين الإرهابيين دولياً وحتى فرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة للجيش والمكونة من مستوطنين ومتدينين متطرفين، قد أثر على قرار فوكس الذي وجد نفسه في موقع ليس فقط غير أخلاقي بل إنه كذلك لا يستطيع تحمل تبعاته.
وبعد أن أعلن رئيس شعبة الاستخبارات عن تحمل المسؤولية عن الفشل الاستخباري في تنبؤ هجوم "حماس" والاستعداد له وعن نيته الاستقالة فوراً بعد استخلاص العبر وتعيين شخص في مكانه، يبدو أن الاستقالات في الجيش ستكون كثيرة وستترك جرحاً غائراً لن يندمل في السنوات وربما العقود القادمة. فمن القادة العسكريين الذين من المتوقع أن يقدموا استقالاتهم بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي ونائبه أمير برعام، قائد المنطقة الجنوبية المسؤول عن قطاع غزة والنقب وكل مناطق الجنوب يارون فينكلمان وقائد فرقة غزة آفي روزنفيلد. بالإضافة طبعاً لرئيس جهاز "الشاباك" وهو ليس من الجيش.
بالنسبة للإسرائيليين، ما يحدث في جيش الاحتلال هو ضربة غير مسبوقة، وهذا ليس فقط يضعضع الجيش في مهماته المستقبلية في التصدي لقوات إقليمية تتطور باستمرار، بل هو يضع مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على المحك.
هزيمة الجيش غير المتوقعة وانهيار فرقة غزة، والفشل الذريع في الحرب ضد الفصائل الفلسطينية وعدم تحقيق أي من الأهداف التي أعلنتها الحكومة للحرب على غزة سيكون له تأثير كبير وخطير على جوهر الفكرة الصهيونية وهجرة اليهود إلى فلسطين.
وفقدان الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي الذي "لا يقهر" ستقوض أهم ركائز الدعاية الصهيونية القائمة على فكرة أن إسرائيل تمثل "الوطن القومي" ليهود العالم والملاذ الآمن لهم. فإسرائيل تتحول مع الوقت واستمرار الاحتلال وهزائم الجيش وتغير مكانة إسرائيل المعنوية في العالم من دولة كانت تعتبر ظلماً كواحة للديمقراطية في الشرق الأوسط وتنتمي لثقافة العالم الحر ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان إلى دولة تمارس جرائم حرب وإبادة جماعية ضد شعب فلسطين الذي هو ضحية جرائم غيره ارتكبها.
لم تعد إسرائيل بعد حكومة اليمين العنصري المتطرف وحرب الإبادة في غزة تلك الدولة التي عرفها العالم قبل السابع من أكتوبر. وحتى تنقذ نفسها من الهلاك عليها أن تبادر فوراً إلى وقف الحرب في غزة والتخلي عن مشروعها الاستيطاني العنصري وتذهب لتسوية سياسية عادلة مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين بما يضمن ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه المشروع في تقرير المصير وحصوله على حريته واستقلاله الناجز. ولكن إسرائيل تذهب بالاتجاه المعاكس لمزيد من التصعيد الدموي فهي تحضر لاجتياح رفح وترفض فكرة عودة السلطة الفلسطينية لغزة وتعارض بشكل مطلق إقامة دولة فلسطينية، مع أن هذا الخيار قد يكون خشبة الإنقاذ لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لأنه مقابل دولة فلسطينية سيحصل على تطبيع العلاقات مع كامل العالم العربي والإسلامي، وسيكون سقوط حكومته على خلفية عملية سياسية تاريخية قد تخلد اسمه بدلاً من أن يسقط على خلفية الهزيمة في حرب غزة وقضايا الفساد.