في 13 أبريل 2024، بشكل بدأ وكأنه مفاجئ، تحدث رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن، وهو ذاته المشارك في وفد "لقاء باريس" للوساطة، بأن الدوحة قد تعيد النظر في دورها كـ "وسيط" بين إسرائيل وحماس، مبررا ذلك بمحاولة البعض الإساءة لهم، واستغلالها لخدمة "أهداف خاصة".
تصريح بن عبد الرحمن جاء كـ "قنبلة سياسية" في زمن استمرار الحرب العدوانية، وفتح الباب لكل الاحتمالات والتقديرات، التي وصلت بأن هناك أمرا لمغادرة قيادة حماس الدوحة، والبحث عن مقر "آمن" جديد، يكون مستقرا لها، بعد سنوات من التواجد السياسي أولا، بعد اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، وبدء عهد الرئيس محمود عباس 2005.
تصريح رئيس الوزراء القطري، لم يجد توضيحا له رغم ما آثاره من "تكهنات"، سوى عندما خرج الناطق باسم الخارجية القطرية يوم 23 أبريل 2024، أي بعد 10 أيام من تصريح بن عبد الرحمن، فقال "إنه لا مبرر لإنهاء تواجد مكتب حركة حماس في الدوحة طالما استمرت جهود الوساطة القطرية، لكنها تعيد تقييم دورها في ظل "إحباطنا من الهجمات ضد قطر".
بدون جهد لا سياسي ولا لغوي، فتصريحات قطر تعلن بشكل رسمي، انتقال العلاقة مع حركة حماس من دور "الرعاية الكاملة" إلى مرحلة "الاستضافة المؤقتة"، بعيدا عن "الذرائعية المستخدمة لتبرير انهاء رحلة بدأت عمليا وعلنيا عام 2005، ضمن مشروع أمريكي للمشهد الفلسطيني، فكانت عملية الاستخدام الأطول التي استمرت ما يقارب العشرين عاما، مثلت مرحلة ظلامية فلسطينية.
الرعاية القطرية لحركة حماس، جاءت بطلب أمريكي للدوحة، من أجل مشاركة الحركة الإسلاموية في الانتخابات الفلسطينية، التي بدأت واشنطن بالتنسيق مع رئيس حكومة دولة الكيان في حينه شارون، لفرضها على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كمقدمة لصناعة مشهد سياسي" يضع نهاية لحركة "التمرد السياسي" الذي صنعه الخالد ياسر عرفات مع رئيس حكومة الكيان رابين في اتفاق "إعلان المبادئ" 1993، على المشروع الأمريكي وعماده الرئيسي ما عرف بـ "عناصر مؤتمر مدريد".
قطر من أميرها إلى ناطقي خارجيتها، مرورا برئيس وزراءها السابق حمد بن جاسم، المهندس الحقيقي" لصفقة الرعاية القطرية لحماس"، أعلنوا صوتا وصورة بأن ذلك تم بناء على طلب أمريكي، وهو ما اتخذ أشكال عديدة وفقا لتطورات المراحل السياسية، من دعم الحركة المطلق للفوز بانتخابات يناير 2006 وهزيمة حركة فتح، باعتبارها الخطوة الأولى لتنفيذ المشروع الأمريكي – الشاروني، إلى حين دفعها نحو تنفيذ انقلابها العسكري بشكل مفاجئ وغريب في يونيو 2007، فكانت الخطوة الثانية لتنفيذ مخطط كسر الكيانية الوطنية.
بعد الانقلاب الحمساوي في قطاع غزة، انتقلت قطر لتصبح "الراعي الرسمي" لحكم حماس الانفصالي بعدما كانت راعي الحركة، فقدمت كل أشكال الدعم ما فيها حصة مالية شهرية، وأخرى مساعدات "اجتماعية" بالتنسيق الصريح مع حكومات تل أبيب، وجهاز الموساد"، الذي تولى نقل الأموال شهريا من الدوحة إلى تل أبيب، ثم نقلها إلى غزة.
تفاصيل تلك العلاقة والدور كشفها قادة قطر مرارا، وقيادة حماس لم تعترض يوما على ذلك، بل أن بعضهم اعتبرها "حق وخاوة" تدفع لهم، دون توضيح المقابل الذي تقدمه لهم كخدمة خاصة في سياق مشروع سياسي.
ومع حادث 7 أكتوبر 2023، وما تلاه حربا عدوانية على قطاع غزة، مترافقا مع حرب تهويدية في الضفة والقدس، وعودة الحضور العسكري الأمريكي للمنطقة، يبدو أن المهمة الرئيسية لـ "حكم حماس الانفصالي"، انتهت خدماته السياسية، وبدأ تصميم الانتقال نحو مرحلة جديدة، عامودها المباشر إعادة احتلال قطاع غزة، وانشاء "إدارة مدنية خاصة" لمرحلة انتقالية فلسطينية، تشهد تقسيم القطاع إلى قسمين بحاجز أمني مع بناء منطقة عازلة شرق القطاع، والسيطرة على المعابر كافة، بما فيها محور فيلادلفيا.
مشهد "حكم انتقالي جديد" وفقا للقرار الأمريكي – الإسرائيلي كجزء من ترتيبات اليوم التالي لحرب غزة، لن يكون لحماس حضورا به في الزمن المنظور، ما فرض القرار القطري الذي بدأ بشكل "غاضب" و "رد فعل" على حملة بعض النواب الأمريكان ضدها، والحقيقة أن تلك ليست سوى "نكتة سياسية"، فالدوحة منذ قبولها الأمر الأمريكي وهي تتعرض لحملات من كل أرجاء المعمورة ورعايتها لحركات تعدم "الإرهاب"، لكنها لم تهتز أبدا.
"الحقيقة السياسية" التي لم تعلنها قطر ورئيس حكومتها، أن زمن "الرعاية الشاملة" لحركة حماس، التي منحتها أمريكا، ووافقت عليها حكومات تل أبيب، المتعاقبة، انتهى، وما سيكون لاحقا لن يكون أي دور حقيقي لحركة حماس في "المشهد الجديد"، خلافا لما كان من مشهد 2006، والذي كان وجودها ضرورة قصوى للمشروع الأمريكي.
قرار قطر بإنهاء "رعاية حماس" بكل عناصرها بدأ التنفيذ، وما سيبقى حدود "الاستضافة المؤقتة" إلى حين ترتيبات جديدة، تتفق مع العبارة التي أطقها الرئيس التركي أردوغان خلال استقبال هنية، إن المستجدات في غزة أهم من أماكن تواجد قادة حماس".
قرار قطر بالخلاص من دورها التكليفي مع حركة حماس، أعلن صافرة انطلاق ترتيبات "اليوم التالي" لحرب غزة ومشهد جديد يفتح باب "الوصاية السياسية المستحدثة" على "كيانية فلسطينية" مقلصة.