- لبنان: شهيدان بينهم طفل و22 مصابا إثر غارة "إسرائيلية" على الرشيدية في صور جنوبي البلاد
- إعلام عبري: مقتل جندي "إسرائيلي" خلال معركة شمال قطاع غزة
ستقرر الأيام القادمة فصلاً قد يكون أخيراً لحرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو على قطاع غزة. ثمة سياستان داخل معسكر الحرب الإسرائيلي الأميركي؛ سياسة حكومة نتنياهو وحلفائه من اليمين الكهاني الفاشي وعموم معسكر اليمين من داخل الائتلاف وخارجه. سياسة «الأرض التوراتية الكاملة» على أنقاض الحقوق والكيانية الفلسطينية، والتي تحتمل التهجير والتطهير العرقي واستبدال شعب بآخر، والعيش بحد السيف الى ما لا نهاية. تبنّى نتنياهو ومعسكره هذه السياسة ودعمها بقانون القومية وبرنامج حكومته اللذين لخصا «الحق الحصري للشعب اليهودي في استيطان كل الأرض وفرض السيادة المطلقة عليها، معتقداً أنه دعم ذلك «الحق» المزعوم بالاتفاقات الإبراهيمية.
وقد رأى بعد 7 أكتوبر أن التصفية السياسية التدريجية والتطهير العرقي الصامت غير كافيين، وأن الفرصة باتت سانحة لترجمة تصفية القضية الفلسطينية بحرب إبادة في قطاع غزة، وبحرب تصفية الشبان المنتفضين والمقاومين في الضفة الغربية. وفعلاً أعلنت حكومة نتنياهو والائتلاف الإسرائيلي الجديد حرب وأد حق تقرير المصير والكيانية الفلسطينية، مستفيدة من الدعم الأميركي والغربي الضخم تحت شعار «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، والحرب ضد الإرهاب. وبعد انقضاء 7 شهور على حرب الإبادة والتصفية رفضت حكومة نتنياهو تحديد ما الذي تريد عمله بعد نهاية الحرب، والرفض يعني ان مرحلة ما بعد الحرب تنطوي على سيطرة أمنية مطلقة على القطاع وبناء أحزمة أمنية ومواقع سيطرة وتحكم وإعادة الاستيطان، وبناء وكلاء للاحتلال بتمويل خليجي. ولا تعبأ حكومة نتنياهو من خطر صدور مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وأركان حربه وحكومته، حيث تفيد أوساط «الجنائية الدولية» أنها بصدد تجهيز مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغلانت وهرتسي هليفي وغيرهم بتهمة الضلوع في جرائم حرب. نتنياهو يراهن أيضاً على إدارة بايدن لمنع المحكمة الجنائية من إصدار مذكرات الاعتقال أو تأجيلها، كما حالت دون صدور قرار من محكمة العدل الدولية بوقف حرب الإبادة.
الرؤية السياسية الأخرى أميركية الصنع ونابعة من المصلحة الأميركية العليا في السيطرة على الإقليم برمته والذي تعتبره منطقة مصالح حيوية. وقد حرصت إدارة بايدن على حصر الحرب في قطاع غزة ومنع تحولها الى حرب إقليمية واسعة. فعلت ذلك من خلال حشد البوارج وحاملات الطائرات استعداداً لصد أي هجوم يستهدف إسرائيل. تتفق الرؤية الأميركية مع هدف أول هو تحويل قطاع غزة الى منطقة مجردة من السلاح، وهدف ثانٍ هو إسقاط حكم حماس والحيلولة دون إعادة بنائه، إضافة إلى الإفراج عن الرهائن والأسرى الإسرائيليين. تعتقد الإدارة أن الشوط الذي قطعته آلة الحرب الإسرائيلية كافٍ، ويمكن استكمال تحقيق الأهداف بدون اجتياح رفح والتسبب في مجازر، وهي في الوقت نفسه مع استمرار الضغط العسكري عبر عمليات نوعية. ما يهم إدارة بايدن هو إعادة بناء السيطرة على المنطقة من خلال بنية أمنية جديدة. في لحظة بدأت فيها الإدارة تدفع ثمن انحيازها لدولة مسكونة بالانتقام والثأر والإبادة والتدمير. وقد بدأت المنظمات الدولية تلوّح بتقديم تهمة دعم إدارة بايدن لجرائم الحرب الإسرائيلية بالسلاح والمال والفيتو. وبدأ ينحسر دعم الإدارة داخل المجتمع الأميركي، وبخاصة مع حركة الاحتجاج غير المسبوقة في الجامعات الأميركية والتي انتقلت عدواها الى فرنسا وكندا ودول أخرى. رؤية بايدن كما يقول الصحافي الإسرائيلي ألون بنكاس في «هآرتس»: تدعو الى إنهاء الحرب، وإدخال قوة حفظ سلام عربية في قطاع غزة، وإبرام اتفاقات مع السعودية وقطر، وإشراك السلطة الفلسطينية في عملية تؤدي في نهاية المطاف الى قيام دولة فلسطينية تكون جزءاً أساسياً من تحالف أمني إقليمي بقيادة أميركا يضم إسرائيل والاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر». يضيف بنكاس، إن العقبة الضخمة أمام رؤية بايدن هي نتنياهو الذي سيتلاعب به وسيغتنم أي فرصة لنسف الخطة الأميركية، والجزء الآخر من المشكلة يتبدى في عدم توفر شريك إسرائيلي ذي مصداقية وراغب وموثوق يستطيع ان يكون بديلاً لنتنياهو وينخرط في الحلف الإقليمي».
وإذا كانت سياسة الدعم العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي الأميركي والغربي لم تنجح في زحزحة نتنياهو ومعسكره الفاشي عن سياساته التي باتت متعارضة مع سياسة الحلف الإقليمي، فهل يصار الى استخدام الضغط والعقوبات ووضع الشروط؟ هذا سؤال برسم إجابة الحلفاء الذين قدموا له الغالي والنفيس وتصدوا للطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية.
التغيير في المشهد السياسي أثناء الحرب يجري ضمن رؤية بايدن الرامية إلى احتواء الوضع الفلسطيني، وتكييفه في إطار حلف وعلاقات تبعية لا مكان فيها لاستقلالية القرار الفلسطيني، حتى بالمستوى النسبي والشكلي، أما الكلام عن دولة فلسطينية فلا يتجاوز حدود الأقوال، وقد أفقد الفيتو الأميركي في مجلس الامن، واستمرار الحصار والقرصنة المالية، ومشاريع الاستيطان غير المحدودة، كل ذلك أفقد الكلام صدقيته. والتغيير في المشهد السياسي تتكفل به أيضاً آلة حرب الإبادة والتصفية، ولا يوجد تغيير ثالث يتحرك بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني.
محور المقاومة والممانعة الذي تعرفنا على أدائه وقت الحرب، لا يطرح حلولاً قابلة للتطبيق، وأقصى ما طالب به هو وقف الحرب والعودة الى الوضع السابق، مغفلاً أن الوضع السابق هو الذي أدى الى الانفجار. لقد جرى هندسة الرد الإيراني على هجوم القنصلية الإيرانية في دمشق، وجرى هندسة الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، وبقيت مشاركة حزب الله اقل من الدخول في حرب، وتجري مفاوضات للعودة الى اتفاق 2006. أداء المحور قدم الدليل على أنه لا يملك حلاً بديلاً للحلين الإسرائيلي والأميركي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وان الموقف المعلن الذي يدعو إلى هزيمة الكيان بما لا يتفق مع موازين القوى، ما هو إلا غطاء لاستخدام المقاومة كورقة لتحسين موقعه الإقليمي فقط.
أمام الاستحواذ الأميركي الإسرائيلي على قواعد لعبة الحرب و»السلام» قبل 7 أكتوبر وبعده، وما لم تتدخل عوامل قادرة على تغيير تلك القواعد، فإن كل حرب مواجهة سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وشعوب عربية أخرى. هذا لا يعني الاستسلام للأطماع الإسرائيلية وللهيمنة الأميركية، بل يعني بناء أشكال جديدة ومستقلة للنضال والتحرر، بعيداً عن التوريط والاستخدام والايديولوجيا المنغلقة والمغامرة غير المدروسة. إن الحراكات الدولية وبخاصة في قلب اميركا هي اكبر وأصدق حليف للشعب الفلسطيني ولكل الشعوب التي تتعرض للعدوان الاستعماري العنصري. التضامن المستمر والمتصاعد يؤكد أن الشعوب تستطيع، وان كل خلط بين نضال الشعب الفلسطيني وأجندات البترو والغاز دولار والتدخلات بمختلف أشكالها وآلاتها الإعلامية سيدفع الشعب ثمنه. ثمة قناعة متزايدة تقول ان وقف الحرب مصلحة عليا، وبعد ذلك قد نذهب الى مسار جديد ومستقل.