رام الله: قالت مؤسسات الأسرى "هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، اليوم الجمعة، إنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، نفّذت جريمة الاختفاء القسري بحقّ الآلاف من معتقلي غزة منذ بدء حرب الإبادة، وتحديداً مع بدء عمليات الاجتياح البري لغزة، واعتقال الآلاف من المدنيين، من مختلف أنحاء القطاع، إلى جانب عمليات الاعتقال التي طالت الآلاف من العمال الذين كانوا يعملون في الأراضي المحتلة عام 1948 قبل الحرب".
وتابعت المؤسسات في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف الثلاثين من آب/ اغسطس من كل عام، أنّ جريمة الاختفاء القسري شكّلت أبرز أوجه حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عشرة شهور، وذلك في ضوء عمليات الاعتقال الواسعة المتواصلة والتي طالت كافة الفئات منهم الأطفال والنساء والمسنين، إلى جانب استهداف العشرات من الكوادر الطبيّة خلال الاجتياحات المتكررة للمستشفيات في القطاع، وكان أبرزها الاجتياح الأكبر لمستشفى الشفاء."
وخلال تنفيذ جيش الاحتلال لعمليات الاعتقال، انتشرت صوراً للمئات من المدنيين، الذين جرى اعتقالهم من مناطق مختلفة من القطاع، وهم عرّاة، ومكدّسين بأعداد كبيرة في أماكن مفتوحة، وفي الشوارع، وفي ناقلات تابعة لجيش الاحتلال، وقد ظهروا في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية ومذّلة.
وأضافت المؤسسات، لقد ساهمت المنظومة القضائية للاحتلال الإسرائيليّ، في ترسيخ جريمة الاختفاء القسريّ التي ساهمت باستخدام جرائم التّعذيب بحقّ معتقلي غزة، وذلك من خلال احتجاز الآلاف من معتقلي غزة استنادا لقانون (المقاتل غير الشرعي) الذي أصدره الكنيست عام 2002، والذي يُشكّل في جوهره انتهاكا واضحا وصريحا لسلامة إجراءات التقاضي.
ومع بداية حرب الإبادة، أدخل الاحتلال تعديلات قانونية على قانون "المقاتل غير الشرعي"، وهو أشبه بالاعتقال الإداريّ، ومن أبرز هذه التعديلات، تمديد توقيف المعتقل لمدة (45) يوماً، وإتمام مراجعة القضائية بعد (75) يوما، ومنع المعتقل من لقاء المحامي لمدة (180) يوما، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال رفض السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلين والأسرى في السّجون والمعسكرات.
وقد ساهمت هذه التّعديلات بترسيخ جريمة الاختفاء القسري، إلى جانب رفض الاحتلال الإفصاح عن أية معلومات تخصّ معتقليّ غزة، أو أي معطيات تتعلق بأعدادهم، وعلى ضوء ذلك تقدمت مجموعة من المؤسسات الحقوقية عدة التماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، لغرض الكشف عن هويات المعتقلين، وأماكن احتجازهم. وفي كل مرة كانت تثبت المحكمة العليا ما أثبتته على مدار عقود طويلة أنها ذراع أساسي لترسيخ الجرائم بحقّ الفلسطينيين.
ولفتت المؤسسات إلى أنّ الاحتلال عمل على استحداث معسكرات خاصّة لاحتجاز معتقلي غزة، إلى جانب السجون المركزية، وكان من أبرزهم معسكر (سديه تيمان) الذي شكل العنوان الأبرز لجرائم التعذيب، إضافة إلى معسكر (عناتوت) ومعسكر (عوفر)، وهي معسكرات تابعة لإدارة جيش الاحتلال.
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مع بدء الاحتلال بالإفراج عن عمال احتجزوا في معسكرات تابعة للجيش، بدأ الأسرى بالكشف عن الظروف اللاإنسانية والمذّلة التي تعرضوا لها، إلى جانب الاعتداءات المتكررة عليهم، وممارسة سياسة التّجويع والتّعطيش، إلى جانب حرمانهم من العلاج، وممارسة أساليب وحشية بحقّهم، ومنها إبقائهم معصوبي الأعين ومقيدين على مدار الوقت.
ولاحقاً مع بدء عمليات الإفراج عن مزيد من معتقلي غزة من السجون والمعسكرات، كشفت شهاداتهم جرائم مروّعة وصادمة نفّذت بحقهم، وأبرزها جرائم التّعذيب والإذلال، إلى جانب الاعتداءات الجنسية ومنها عمليات اغتصاب، وشكّلت الصور الأولى للمعتقلين المفرج عنهم، شهادة حيّة للجرائم التي نفّذت بحقهم، وتوالت عمليات الكشف عن هذه الجرائم عبر عدة تقارير وتحقيقات صحفية جرت حول معكسر (سديه تيمان)، والتي تضمنت شهادات مروعة وصادمة، حول الظروف اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون في المعسكر، وآخرها تسريب فيديو قيام جنود باغتصاب معتقل في معسكر (سديه تيمان).
ولاحقاً وفي ضوء بعض التعديلات القانونية، التي أتاحت للطواقم القانونية بالكشف عن أماكن احتجاز المعتقلين، وتنفيذ زيارات محدودة لبعض معتقلي غزة، بدأت الشهادات الصادمة تتصاعد، بشكل –غير مسبوق- بكثافتها ومستواها، وقد وثقت العديد من المؤسسات الحقوقية عشرات الشهادات لمعتقلين غزة عن جرائم التّعذيب الممنهجة التي استخدمت بحقّهم، عبر العديد من الأدوات والأساليب، وفي مختلف أماكن الاحتجاز بما فيها السّجون المركزية إلى جانب المعسكرات، والتي أدت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزة، الذي يواصل الاحتلال بإخفاء هوياتهم، إلى جانب عمليات الإعدام الميداني.
وفي هذا الإطار أكدت مؤسسات الأسرى، أنّه وبعد مرور أكثر من عشرة شهور على حرب الإبادة، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، استخدام جريمة الاختفاء القسري بحقّ معتقلي غزة، والتي تشكّل جريمة ضد الإنسانية بحسب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي تعرف الاختفاء القسري بأنه" :الاعتقال أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصفون بإذن، أو دعم من الدّولة، أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان شخص من حرّيته، أو إخفاء مصير الشخص المخفيّ، أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون".
وجددت مؤسسات الأسرى مطالبتها للمنظومة الحقوقية الدّولية بتجاوز حالة العجز الدّولية المستمرة أمام حرب الإبادة، واتخاذ قرارات واضحة لمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيليّ، ووقف العدوان الشامل على شعبنا، بما فيها الجرائم التي ترتكب بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيليّ.
يجدر الإشارة إلى أنّه وحتى اليوم لا توجد معلومات واضحة ودقيقة عن كافة أعداد معتقلي غزة بما فيهم النساء والأطفال، والشهداء الذين ارتقوا نتيجة لجرائم التعذيب أو الإعدام، وفقط ما هو متوفر حتى بداية شهر آب/ أغسطس (1584) ممن صنفهم (بالمقاتلين غير الشرعيين)، وهذا المعطى لا يشمل المعتقلين في المعسكرات التابعة للجيش.
علماً أنّ الاحتلال كان قد كشف عبر وسائل إعلامه بأنه اعتقل أكثر من (4500) مواطن من غزة منذ بدء الحرب.