انتهت الانتخابات في الأردن قبل أسبوع بحصول جبهة العمل الإسلامي على 31 مقعداً في البرلمان، 17 منهم فازوا بالقوائم الحزبية و14 آخرون فازوا كمستقلين. وهو أكبر عدد تحصل عليه في أي انتخابات سابقة، ولكنه ليس الإنجاز الأهم في تاريخ الجبهة أو حركة «الإخوان المسلمين» كما يتم الترويج لذلك. ففي عام 1989 حصل «الإخوان» على 22 مقعداً من أصل 80 مقعداً هم عدد أعضاء البرلمان. وهؤلاء شكلوا في ذلك الوقت 27.5% من البرلمان. بينما هم الآن يمثلون 22.5%. وعملياً حصلت الحركة على 22.5% من أصل 32.25% من نسبة المشاركين في الانتخابات. بينما في عام 1989 كانت نسبة المشاركة 51%. بمعنى أن نسبة دعم حركة «الإخوان المسلمين» أو «جبهة العمل الإسلامي» في أوساط الجمهور لم تزد بل قلت عن الفترة الذهبية لهم. ولكن بالمقارنة مع الانتخابات السابقة في عام 2020، حيث حصلت الجبهة على 10 مقاعد من أصل 130، يعتبر هذا تقدماً ملموساً.
في الواقع، فاز «الإخوان» في الانتخابات بفضل حرب غزة. فقد دأبت الحركة على تنظيم التظاهرات بشكل أسبوعي وأحياناً يومي في الأردن دعماً للفلسطينيين في غزة ودعماً «للمقاومة» أي لحركة «حماس». وبسبب كون الساحة الأردنية الأقرب إلى فلسطين لاعتبارات تاريخية وديمغرافية. كان موضوع التحرك لدعم فلسطين يحتل أهمية بالغة في الرأي العام الأردني عموماً خاصة في عمان والمدن الرئيسة. وهذا ساعد الحركة في استقطاب الشارع حول شعارات تتعلق بدعم مقاومة الفلسطينيين وضد الحرب الإبادية التي تشنها إسرائيل ضدهم. وبدون شك استطاعت استثمار العملية التي نفذها المواطن الأردني ماهر الجازي على جسر الملك حسين، وحالة الغضب الشعبي. وبالتالي كان حضور الحركة ملموساً خلال شهور الحرب التي سبقت الانتخابات بحيث لم تكن بحاجة إلى حملات انتخابية منظمة، بل كانت التحركات الشعبية بمثابة دعاية انتخابية جيدة ساعدتها في الفوز. ومما لا ريب فيه أن حركة «الإخوان» لديها جهاز إعلامي ودعاوي كبير جداً، ولديها أموال كثيرة، فهي تعتمد على التبرعات المالية التي تجبيها مرة تحت شعار «دعم الشعب الفلسطيني» ومرة بادعاء «دعم الفقراء والمحتاجين»، وتستخدم المساجد كمقرات للقيادة والعمل وجمع الأموال. ولدى الحركة مراكز واستثمارات مالية كبيرة في الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية.
ينبغي وضع فوز «جبهة العمل» في البرلمان الأردني في إطاره المناسب وعدم المبالغة في هذا الفوز، فغالبية الجماهير الأردنية لم تشارك في الانتخابات. والذين لم يشاركوا عموماً لا يدعمون الحركة الإسلامية، لأن جمهور مؤيديها لا يتخلّفون عن المشاركة في التصويت. هذا بالإضافة إلى أنها لم تحصل على أغلبية يمكنها أن تشل البرلمان أن تسحب الثقة عن حكومة أو أن تؤثر بصورة ملموسة في الحكم في الأردن. فالنظام السياسي هناك هو ملكي والصلاحيات الأهم والأوسع بيد الملك عبد الله الثاني. وبالتالي لن يكون هناك تأثير كبير لـ»الإخوان» في الحكم، إلا في إطار أن يكونوا معارضة صاخبة أو مشاغبة لمشاغلة الحكومة.
الحركة الإسلامية في الأردن لم تعمل على القضايا الداخلية التي تتعلق بحياة المواطنين الأردنيين، وخاصة تقديم مشروع لمعالجة المشكلات التي تعاني منها المملكة بحيث يشكل بديلاً وطنياً واقعياً ومنطقياً، بل كان التركيز على شعارات تتعلق بالوضع السياسي العام والصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي. وللحقيقة لا تملك حركة «الإخوان المسلمين» برنامجاً اقتصادياً أو اجتماعياً أوسياسياً يمكنه أن يشكل تطويراً ملموساً للأوضاع التي يعيشها المواطن، وهي عملياً فشلت في كل الأماكن التي تولت فيها السلطة وشكلت حكومات: في تونس ومصر والمغرب وفلسطين. ولم تقدم نموذجاً ناجحاً يحتذى به، بل كانت وصفة فاشلة ومجموعة شعارات لا تحل مشكلة ولا تعالج أزمة. وعلى المستوى الديمقراطي هي لا تشكل حالة ديمقراطية ولا تؤمن بالديمقراطية كأسلوب حياة، بل يمكن استخدامها فقط كوسيلة للوصول إلى السلطة.
المواطنون في الأردن لا يتوقون لواقع شبيه بواقع حكم «الإخوان» في العالم العربي وحتى في فلسطين، على الرغم من الدعم المعنوي الذي يعبرون عنه تضامناً مع الشعب الفلسطيني. فالإسلاميون لم يطوروا نظرية اقتصادية- اجتماعية تختلف عن الموجود في العالم اليوم. واختراعات اقتصاد إسلامي أو نظام إسلامي هو عبارة عن اجترار لما هو قائم ولكن بصورة عبثية وتجريبية فاشلة على الأغلب. وهذا ما حصل في تجارب الحكم التي خاضها الإسلاميون ليس فقط في العالم العربي بل في دول عديدة منها إيران وأفغانستان وحتى تركيا، بالرغم أن الأخيرة كانت الأكثر نجاحاً ولكنها لم تبتدع شيئاً جديداً، بل نظاماً أكثر ديكتاتورية صادر هوامش مهمة من الديمقراطية العلمانية التي كانت في الدولة قبل سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم.
الوضع في الأردن يتأثر بعوامل عديدة إقليمية ودولية بالإضافة إلى الوضع الداخلي. ولا شك أن ما يجري في فلسطين والجوار سواء في سورية أو العراق يؤثر على الاقتصاد والاستقرار في الأردن الذي كتب عليه استيعاب أعداد هائلة من اللاجئين من دول الجوار. وتخلت الدول العربية وجزء من الدول الغربية عن تقديم الدعم للأردن. ولا تملك الحركة الإسلامية في الواقع وصفة لمعالجة هذه المشكلة التي تتطلب دعماً إقليمياً ودولياً، وتتطلب حلاً عادلاً للصراع في المناطق والذهاب نحو مشروع كبير للإعمار والتنمية على مستوى المنطقة.