- سلسلة غارات إسرائيلية متتالية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت
بشكل منسق ومتزامن، بدأت حملة مكثفة في وسائل إعلام أمريكية بالتوازي مع وسائل إعلام عبرية مدعومة ببيانات من المؤسسة الأمنية، تتركز حول رئيس حركة حماس يحيى السنوار، تضعه في مصاف "الأخطر"، والباحث عن مسار تدميري للمشهد العام.
في منشور قام جيش الاحتلال بتوزيعه، كما منشوراته اليومية لسكان قطاع غزة، قال فيه، باللهجة المحكية: "فش نفق عميق زيادة يا سنوار، واسأل السيد حسن"، رسالة لا تحتاج تفسيرا فهي ناطقة بوضوح كامل، أن الاغتيال قادم في أي وقت كان، وهو ما قد يراه البعض ليس جديدا من حيث الهدف، وهذا منطقي، لكنه جديد توقيتا بتطورات متسارعة.
التهديد البياني، جاء في سياق الحملة التي بدأتها مجددا وسائل الإعلام الأمريكية، بالانتقال من تناول حركة حماس بشكل عام إلى التخصيص برئيسها المنتخب يحيى السنوار، وكان الأكثر وضوحا تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال يوم 9 أكتوبر 2024، حيث اعتبرته شخصية "مهووسة" يعيد الحركة إلى مسار العمليات الانتحارية "التفجيرية"، ويضع الرهائن جدارا واقيا.
وذات المضمون بلغة مختلفة ينتشر عبريا، ترافق مع إشارات أمنية من قبل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بأنه أعاد الاتصال مع قيادة حماس والخارج، وبدأ يضع "شروطه" الخاصة.
موضوعيا، السنوار تم وضعه كهدف مركزي من "أهداف الحرب العدوانية على قطاع غزة"، مع بعض قيادات من القسام وحماس بعضهم وصلت إليهم وتمكنت من اغتيالهم، وخاصة محمد الضيف، ولكن جديدها ما لخصته في منشورها المحكي باللهجة الفلسطينية حول نفق نصر الله، وربطه مع إعادة التواصل.
كان ملفتا، أن فتح ملف السنوار مجددا، أمنيا وإعلاميا، جاء مع إعلان مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، بأنه لا يوجد "صفقة تبادل وتهدئة" في قطاع غزة، واعتبر مطالب السنوار "الجديدة" هي العقبة، متجاهلا بشكل غريب موقف حكومة دولة الفاشية اليهودية، والتي أشار لها هو نفسه سابقا بأنها وضعت شروط جديدة، و مستشار بايدن للأمن القومي جان سوليفان أكدها.
ومع تلك الحملة نشرت قناة عبرية يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024، تقريرا حول قيام الإدارة الأمريكية بالعمل على وقف إطلاق نار على مختلف الجبهات، بمشاركة بلاد الفرس ودول عربية، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب العدوانية على قطاع غزة، ما يشير إلى تغيير جوهري في مضمون اليوم التالي، فلم يعد محدودا بقطاع غزة، كما روجوا كثيرا، بل أصبح يوما تاليا للمنطقة برمتها.
المشروع الأمريكي المتداول لليوم التالي للحرب، لم يحدد مضمونا شاملا للمشهد الإقليمي بشكل مباشر، لكنه مرتبط ارتباطا وثيقا به، وضمن ما كشفه رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية نتنياهو، شرق أوسط جديد ضمن واقع جديد يستند مركزيا لنتائج الحرب العسكرية، ما يمكن الاستدلال عليه من مشاركة بلاد الفرس لبحث اليوم التالي، رغم أنها ليست طرفا مباشرا بل حتى ساعته بل تعمل عبر أدواتها.
ومع زمن البحث عن "مشروع شرق أوسط جديد" كيوم تالي، كان لقاء حركتي فتح وحماس لبحث تشكيل "إدارة مدنية مؤقتة" في قطاع غزة خالية من الدسم الفصائلي (وليس له)، بكل ما يرتبط بها من حاجات "إنسانية"، وبموافقة أمريكية، علامة من علامات بدء ترتيبات اليوم التالي المطلوب.
رؤية اليوم التالي الإقليمي انطلق بدون مشاركة فلسطينية، رغم أنها نظريا جزء من "المشهد المفترض أن يكون"، لكنها وضعت في سياق قاصر داخل قطاع غزة، وضمن محددات واضحة، خاصة ما يتعلق بالوجود الاحتلالي في القطاع، وغياب الصلة بالمركز الرسمي الفلسطيني، بترتيبات خاصة للمضي قدما.
ومن أجل أن الوصول إلى هدف "الإدارة المؤقتة" في قطاع غزة (المعاد احتلاله) لا بد من "إزالة العقبة السنوارية" من طريقها بعد حملة شيطنته مجددا، وبات وجوده "العائق المركزي" أمامها، ولذا الحملة المكثفة أمنيا وإعلاميا، أمريكيا وإسرائيليا، التي قد تبدو مفاجئة، أو غريبة، هي في الواقع جزء من البدء بـ "ترتيبات اليوم التالي".
هنا، المسؤولية المركزية لمواجهة المشروع الأمريكي لترتيبات شرق أوسطية جديدة، تتوافق وجوهر المشروع التهويدي العام نحو "إسرائيل الموسعة"، تقع على عاتق الرسمية الفلسطينية، وألا تنجرف "بضعف أو خوف أو جهل" بالمقترح الأمريكي الخاص حول قطاع غزة الانفصالي الجديد.
ليس مجهولا، وهن القدرة الكفاحية للرسمية الفلسطينية، ومدى ارتعاشها من "الجبروت الأمريكي" في ظل غياب الفعل الرسمي العربي، لكن المساومة المقترحة أمريكيا، لـ "إدارة قطاع غزة الانفصالية المحدودة" يمثل قاطرة تسليم القرار والمشروع لمجهول سياسي غير فلسطيني، ما يفرض لا قبوله.
بدلا من "الانشغال" في مباحثات واهمة بين حركتي فتح وحماس، وكلاهما خارج الحسابات السياسية الجديدة أمريكيا، ليكن الانشغال وطنيا بكيفية محاصرة ترتيبات شطب المنجز الوطني الموحد..كيانا وتمثيلا .
لمنع الخراب السياسي، حاذروا أن يكون الزمن السياسي أسرع من التفكير السياسي.