- قصف مدفعي إسرائيلي في محيط مسجد حسن البنا بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة
- قصف مدفعي يستهدف جنوب مخيم البريج وسط القطاع
على نحوٍ متزامن منذ أسبوعين، يبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي حملات برّية تستهدف شمال قطاع غزّة، من دون إعفاء بقية مناطقه من القصف، وتستهدف جنوب لبنان، من دون أن تسلَم أيّ منطقة بما في ذلك العاصمة بيروت من القصف. قالت المستويات العليا في جيش الاحتلال إن غزّة أصبحت جبهة ثانوية، وسحبت معظم الفرق العسكرية باتجاه لبنان، والضفة الغربية، ما أدّى إلى الاعتقاد أنّ حرب الإبادة الجماعية على سكّان القطاع قد تشهد تراجعاً أو تخفيفاً.
في الواقع فإنّ القتل والتدمير بالجملة والمفرّق، في القطاع وتركيزاً على شماله لم يشهد أيّ تراجع أو تخفيف، فالطيران الحربي، والمسيرّات، والمدفعية، تمارس حقدها، وكأنّ الحرب الهمجية على القطاع بدأت للتوّ، حيث لم تتراجع معدّلات القتل والإصابة عمّا كانت عليه حين كان القطاع جبهة الاهتمام والتركيز الأولى.
شمال القطاع، يتعرّض لحرب إبادة جماعية، لا يجوز معها استمرار الكثير من المسؤولين الأمميين، والدوليين الحديث عن شبهة ارتكاب جرائم حرب، ذلك أنّ المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام بما في ذلك الإسرائيلية، لا تحتاج إلى لجان تحقيق أو انتظار المزيد من الأدلّة. يشتغل جناة جيش الاحتلال، استناداً إلى «خطة الجنرالات»، من دون الاعتراف بذلك من قبل المستوى السياسي أو العسكري والأمني الإسرائيلي.
إذا كان ثمة من قيمة للرسالة التحذيرية التي بعث بها وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان إلى دولة الاحتلال، فإنّ ما ورد فيها، ينطوي على اعتراف صريح، بأنّ جيش الاحتلال يمارس عملية التهجير القسري للسكّان، ويمنع وصول المساعدات حتى الأميركية للناس، الذين يخضعون لعملية تجويع وتعطيش، ونشر الأمراض والأوبئة، فضلا ًعن المغالاة في القتل والتدمير.
الرسالة تبدو جدّية وحازمة، وتطالب الدولة العبرية بتحسين وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية، والامتناع عن إجبار السكان على الهجرة والنزوح، وذلك من بين طلبات أخرى كثيرة، غير أنّ الرسالة التي تحمل طلبات متكرّرة من قبل الإدارة الأميركية، تمنح جيش الاحتلال شهراً لتلبية ما ورد من طلبات. الوقت الذي تتيحه الرسالة يكفي لجيش الاحتلال أن يحقّق ما يريد، ويمنح الإدارة الديمقراطية، فرصة سيتبين خلالها ماهيّة المرشّح الذي سيفوز في الانتخابات.
الرسالة الأميركية تحاول تهدئة غضب اليساريين، والمناهضين للحرب الدموية والمنتقدين لسياسة إدارة جو بايدن، فضلاً عن تسويق موقف بهدف استقطاب أصوات المقترعين من العرب والمسلمين، الذين أعلنت إحدى مؤسساتهم الكبرى مؤخّراً، أنّها لن تعطي أصواتها للمرشّحة كامالا هاريس.
يقوم جيش الاحتلال عَبر القصف الجوي العدواني والمدفعي بتدمير ما تبقّى من منازل، وأماكن إيواء محدودة في بيت حانون وبيت لاهيا، وجباليا المعسكر، ويعزل هذه المناطق عن جباليا البلد، وكلّ هذه المناطق عن مدينة غزة، التي تخضع لحصار هي الأخرى من الشمال والجنوب.
وفي الشمال كما في الجنوب، تواصل قوات الاحتلال استهداف المدنيين في البيوت أو ما تبقّى منها، كما في الخيام، وتمسح آلاف العائلات بالكامل من السجّل المدني. لقد شاهد العالم عَبر الشّاشات، المجزرة التي ارتكبتها قوات الإجرام الإسرائيلي واستهدفت خيام النازحين في محيط مستشفى شهداء الأقصى في منطقة دير البلح.
لقد احترقت الخيام، واحترقت معها أجساد البشر من أطفال ونساء وكبار السنّ، واختلط اللحم والعظم بالنايلون، وتراب الأرض.
ما جرى في محيط المستشفى، لم يكن جريمة معزولة، فلقد تكرّرت المجازر بالطريقة ذاتها، كانت دولة الاحتلال تدّعي في السابق وجود مقاتلين ومسلّحين في المناطق التي تستهدف ارتكاب المجازر فيها، لكنها اليوم، لا تكلّف نفسها تبرير ما تفعل، بعد أن انكشفت تلك الأكاذيب أمام العالم أجمع، ومنذ 13 يوماً من بدء الحملة البرّية البربرية الثالثة أو الرابعة على شمال القطاع، منعت الدولة العبرية إدخال الشاحنات وتركت الناس يتضوّرون جوعاً، فضلاً عن عدم إدخال الوقود لتشغيل مضخّات المياه، والآليات، والمستشفيات.
دولة الاحتلال دمّرت القطاع الزراعي بالكامل شمالاً، بحيث لم تعد ثمّة أيّ إمكانية لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية على محدوديتها. القطاع الصحّي، الذي يقوم على مستشفيين صغيرين هما: «كمال عدوان» و»العودة»، تمّ إخراجهما من الخدمة، بل وتعرّضا للاستهداف كما تعرضت سيارات الإسعاف للقصف، فضلاً عن تدمير الطرق التي تصل جباليا بمدينة غزة.
شهود عيان يتحدثون عن مئات الشهداء منذ أيام في الشوارع والأزقّة، والبيوت المدمّرة، من دون أن تتمكن فرق الدفاع المدني من الوصول إليهم، وحتى من دون التعرّف على هويّاتهم ومنع القصف المتواصل ذويهم من الوصول إليهم.
شمال غزّة يُقتل ويُدمّر بالجملة، إمّا قصفاً، أو جوعاً، أو عطشاً أو مرضاً، فكلّ ما/ومن يتحرّك فيه يشكّل هدفاً للطائرات الحربية العدوانية والمسيّرات والريبوتات. لا أحد يتحرّك في هذا العالم، سوى الألسنة التي تُبدي «القلق»، وتعتمد لغة المطالبة لمجهول معلوم لا تظهر عليه علامات الخجل أو الندم أو الاستعداد للتدخّل.
عواصم العالم الغربي، تتحرّك من دون توقف للضغط على حكوماتها من أجل وقف إرسال الذخائر وقطع الغيار للقاتل السادّي، ولكن الشارع العربي يتعاطف بصمت، وأنظمته السياسية، المذعورة، أدمنت التخاذل والتواطؤ.
ما يجري في القطاع، منقول عن صفحة ما جرى ويجري في لبنان، فالبيوت هدف، والمستشفيات أهداف، والدفاع المدني، والطرق، والمعابر الحدودية، والذريعة كلّ الوقت منع وصول الأسلحة لـ»حزب الله»، وتدمير ترسانته من القيادات والكوادر والأسلحة والذخائر.
التهجير يكرّر الصورة والمشهد، ونقص الأغذية، والمستلزمات الطبية ومراكز الإيواء، وبعد قليل من الوقت سيشهد لبنان، أيضاً، ظاهرة نصب الخيام، والتي ستتعرّض هي الأخرى لما تتعرّض له الخيام في المناطق التي يزعم الاحتلال أنّها آمنة في القطاع. ولكن بعد أكثر من عام، يصمد أهل غزّة، ويرفضون التهجير والنزوح ويقاومون وكأنّهم بدؤوا للتوّ، حيث يكبّدون المعتدي خسائر يومية فادحة، لا سبيل للمرور عليها في هذا المقال.
وفي لبنان، يستعيد الحزب عافيته رغم الخسائر الفادحة التي تكبّدها، ويعلن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أنّ الحزب انتقل من مرحلة الإسناد إلى خوض الحرب.
الميدان يقرّر النتائج، فبعد أسبوعين من بداية الحملة البرّية الإجرامية على جنوب لبنان، لم تنجح الفرق الخمس التي حشدتها دولة الاحتلال في اختراق الخطوط الأمامية إلّا بضع مئات من الأمتار، دفعت خلالها أثماناً باهظة.
سنة كاملة فشل خلالها جيش الاحتلال من إعلان النصر وإنهاء عملياته في قطاع غزّة فكم عاماً ينتظره، وأيّ ثمنٍ سيدفعه في حربه المجنونة على لبنان؟