- مدفعية الاحتلال تقصف محيط دوار أبو شريعة في حي الصبرة جنوب مدينة غزة
شعبان فتحي: تمر اليوم 102 عام على وعد بلفور أو «الوعد المشوم»، الذي غير شكل العالم؛ وشرد وأزهق أرواح ملايين الفلسطينيين؛ هذا الوعيد الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم، وهو ما جعل فلسطين تدفع الكثير نتيجة سعي اليهود لتنفيذه.
فى مثل ذلك اليوم من سنة ١٩١٧ التزمت بريطانيا، وهى الدولة المغتصبة لأرض فلسطين حينها، بأن تهب ما لا تملك لمن لا يستحق.. فقد أعطى بلفور كلمته للورد روتشيلد.. وبمقتضاها تنازلت بريطانيا للحركة الصهيونية، عما لا تملكه.
وبات الوعد مترافقا مع عبارة، "أعطى من لا يملك لمن لا يستحق "، وبعد نحو ٣٠ عامـا أوفـت بريطانيا بوعد بلفور، حين ساهمت فـي إقامـة دولـة إسـرائيل وإنهـاء الانتـداب، فـي حـين أن الفلسطينيين يتلقون وعودا عدة بشأن إقامة دولة لهم، دون أن تلـوح فـي الأفـق أي بارقـة أمل".. فمن هو بلفور وما هي بنود وعده، الذي غير خريطة العالم ومحى عشرات القرى الفلسطينية من الوجود.
جيمس بلفور؟
آرثر جيمس بلفور هو رئيس وزراء بريطانيا من عام 1902 لـ 1905، اشتهر عندما أصدر وعد نص على دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، المعروف بـ «وعد بلفور»، والذي
وُلد "بلفور" عام 1848 في ويتنجهام، المعروفه اليوم باسم لوثيان، وتقع في اسكتلندا ببريطانيا، وانتخب لأول مرة في البرلمان البريطاني عام 1874، وعمل وزيراً أول لاسكتلندا عام 1887، ثم وزيراً رئيساً لشئون إيرلندا من عام 1887 لعام 1891، ثم أول رئيس للخزانة من عام 1895 لعام 1902، ورئيساً لوزراء بريطانيا من عام 1902لعام 1905.
الوعد المشؤوم؟
قبل أن تضع الحرب العالمية الأولـى أوزارهـا ويتقاسـم المنتصـرون فيهـا تركـة الإمبراطوريـة العثمانية، سارع وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور فـي ٢ نـوفمبر/ تشـرين الثـاني مـن عـام ١٩١٧ إلـى كتابـة رسـالة إلــى المصـرفي البريطـاني وأحـد زعمــاء اليهـود والعضـو فـي حــزب المحافظين البريطاني ليونيل والتر روتشيلد، وأدت إلى قيام دولـة إسـرائيل ومـا تبـع ذلـك من حروب وأزمات في الشرق الأوسط.
وكانت الرسالة التي تعرف حاليا بوعد بلفور أوضح تعبير عن تعاطف بريطانيا مـع مسـاعي الحركــة الصــهيونية لإقامــة وطــن لليهــود فــي فلســطين، حيــث طلــب فيهــا بلفــور مــن روتشيلد إبلاغ زعماء الحركة الصـهيونية فـي المملكـة المتحـدة وايرلنـدا بموقـف الحكومـة البريطانية من مساعي الحركة.
ورغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عـن تأييـد الحكومـة البريطانيـة لإقامـة دولـة لليهـود فـي فلسـطين، لكنهـا أدت دوراً أساسـياً فـي إقامـة دولـة إسـرائيل بعـد ٣١ سـنة، وتحديـدا فـي الرابع عشر من مايو/أيار ١٩٤٨،وهو اليوم نفسه الذي أعلنت فيه بريطانيا نهاية انتـدابها علـى فلسطين.
نص وعد بلفور
عزيزي اللورد روتشيلد.. يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالي الذي يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التي تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها.
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي»
سأكون ممتنا لك إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا البيان.
لماذا وعد بلفور اليهود بوطن في فلسطين؟
لم يخرج بلفور على العالم بوعده المشؤوم لمجرد حبه لليهود، أو رغبته في تميكنهم من أرض يمتلكونها ويكون لهم كيان بها، بل الأمر يرجع لتخوفه من انتقال اليهود إلى بريطانيا.
بدأت مخاوف بلفور تزداد عندما شعر بقوة اليهود، وعندما أعجب بشخصية الزعيم الصهيوني «حاييم وايزمان» حين عندما التقى به في عام 1906، وأدرك حينها أن الصهيونية قوة كبيرة تستطيع التأثير في السياسة الخارجية الدولية، وقوتهم في التأثير على الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت ولسون للمشاركة في الحرب العالمية الأولى بجانب بريطانيا.
كل هذه الدوافع جعلت بلفور يشعر بقوة الصهيونية واليهود في ذلك الوقت، وأدرك ان المملكة البريطانية لو استغلت هذه القوة لصالحها وكسبتها لصفوفها سيزيد من قوتها في العالم.
ونظراً لمعارضة بلفور المستمرة لهجرة اليهود لشرق أوروبا؛ تخوفاً من انتقالهم لبريطانيا، فعندما تولى بلفور وزارة الخارجية في المملكة المتحدة في الفترة من 1916 لـ 1919 أصدر وعده المعروف بـ«وعد بلفور» وأصدره عام 1917 وأصدر رساله ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها لتأييد الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
روتشيلد وإقامة الدولة اليهودية في فلسطين
اللورد روتشيلد هو مصرفي معروف ويرجع نسبه لعائلة من أكبر العائلات اليهودية في ألمانيا وهي عائلة ثريه جداً، أقرضت الكثير من الدول الأموال والذهب مما جعل لها هيمنة على تلك الدول وعلى سياساتها وقراراتها.
لم يكن بيت روتشيلد مهتما بمسألة وطن قومي لليهود في البداية، ولكن هناك أمران جعلت عائلة روتشيلد تتبنى فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطينن هما:
هجرة مجموعات كبيرة من اليهود إلى أوروبا، ورفضها الاندماج في مجتمعاتها الجديدة، ومواجهتهم مجموعة من المشاكل، دفع لضرورة وجود أماكن جديدة بعيداً عن مصالح عائلة روتشيلد الاستثمارية.
ظهور التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الكبرى عام 1907، المعروف باسم تقرير بانرمان الذي قرر بموجبه أن منطقة شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الحديثة.
هيئة الهجرة إلى فلسطين
عندما كان اللورد ليونيل روتشيلد، المسؤول عن فروع العائلة في إنجلترا، وزعيم الطائفة اليهودية بها في الفترة من عام 1868 لعام 1937، تقرب منه شخصان من اليهود هما حاييم وايزمان الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل فيما بعد، وناحوم سوكولوف، ونجحا في إقناعه في السعي لدى حكومة بريطانيا في مساعدة اليهود لبناء وطن قومي لهم في فلسطين.
ولم يتردد ليونيل بل سعى بالإضافة لاستصدار وعد بلفور إلى إنشاء انقسام يهودي داخل الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وقام "جيمس أرماند روتشيلد" (1878-1957 م) بجمع المتطوعين له ثم تولى رئاسة هيئة الهجرة إلى فلسطين، وتولّى والده تمويل المشاريع الإقتصادية في فلسطين ومنها مبنى الكنيست الإسرائيلي الحالي في القدس.
ومن ثم تم إصدار وعد بلفور بعد تقديم عائله روتشيلد مساعدة مالية ضخمة لبريطانيا التي كانت على وشك إعلان هزيمتها على يد الألمان وكذلك اثرت على الحكومات الأوربية بشكل عام.
مطالب عربية بالاعتذار
قبل عامين قدم رئيس البرلمان العربي، مشعل السلمي، مذكرة احتجاج إلى رئيس مجلس العموم البريطاني جون بركاو، لتنظيم بلاده احتفالية بالذكرى المئوية لصدور "وعد بلفور المشؤوم".
وأعرب السلمي خلال مذكرة الاحتجاج عن استيائه إزاء هذا الاحتفال "بدلا من تقديم الحكومة البريطانية اعتذارا رسميا للشعب الفلسطيني، على أبشع ظلم تاريخي وقع عليه عندما هجروا وطردوا من ديارهم الى مخيمات اللجوء في الوطن والشتات".
وأكد السلمي أن هذه الخطوة تمثل "امتهانا للمبادئ الإنسانية كافة وتجاهلا لكل المطالبات العربية والإسلامية للحكومة البريطانية، ومنها رسالة البرلمان العربي إلى مجلس العموم البريطاني للعدول عن إحياء هذه الذكرى".
وطالب مجلس العموم البريطاني بحث حكومة بلاده للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/تموز 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وثمن السلمي حينها مطالبة عدد من أعضاء مجلس العموم البريطاني والمنظمات الحقوقية برفض الاحتفال.
102 عام مضت والشعب الفلسطيني يحاول الخلاص من نكبته التي أحلت به بسبب وعد بلفور المشؤوم، الذي سلبه حقه في أرضه، ومنحها لليهود لإقامة دولتهم، في أبشع وأطول مؤامرة شهدتها البشرية، لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.. ورغم الرهان الإسرائيلي على انتهاء المعركة باغتصابهم الحق الفلسطيني، إلا أن الحق أبدًا لن يضيع فالمقاومة لا تزال مستمرة.. وإنا إلى أرضنا لعائدون.