غزة - محمد جودة: استشهد نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي قاده المجرم "أرائيل شارون"، آلاف المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين واللبنانيين وأصيب الآلاف أيضا، فضلا عن تدمير الأحياء والمخيمات الفلسطينية في حينه، الأمر الذي زاد من حدة الموقف وخروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت إلى عدة دول عربية.
بعد عام 1967، وقيام "إسرائيل" باحتلال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، واجه أبو عمار صعوبة كبيرة في استمرار العمل المسلح من داخل الأرض المحتلة، وبدأ بتأسيس قواعد للثورة الفلسطينية على خطوط التماس المواجهة للضفة الفلسطينية، بموافقة المملكة الأردنية الهاشمية، وأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة في منطقة غور الأردن.
تعرضت المقاومة الفلسطينية في العاصمة اللبنانية بيروت لهجوم عنيف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، طال العاصمة اللبنانية بيروت في السادس من يونيو/حزيران عام 1982، قيل للزعيم أبو عمار في حينه، إلى أين ذاهب؟ "أنا ذاهب إلى فلسطين" هكذا أجاب بكل شموخ على الإعلاميين.
حنكة سياسية وإرادة ثورية
خرج "أبو عمار" من بيروت، ورغم أن المقاومة الفلسطينية منيت بخسارة فادحة، فإن خروج عرفات من بيروت آثار تعاطفا شعبيا وسياسيا كبيرا من رفاق الدرب والحلفاء، حيث تحولت الخسارة العسكرية والبشرية إلى انتصار سياسي، بعدما أنهى خروج البندقية من بيروت مقولة التحرير من الخارج وأسس لمرحلة جديدة من النضال، تقوم على مبدأ تحرير الأراضي المحتلة من الداخل، وجاءت الترجمة الفعلية في الانتفاضة الأولى عام 1987، وصولا إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1994
عبر الزعيم الخالد الشهيد ياسر عرفات عن عدم رضاه لخروج الفدائيين والمقاتلين من بيروت، في ظل شروط وضعتها "إسرائيل" التي حملها "فليب حبيب" وهو الوسيط الأمريكي، حيث ينص الاتفاق على خروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت وتوزيعهم على تسع دول، وبعد موافقة الجمهورية اللبنانية في الثامن عشر من آب عام 1982، وذلك من اجل وقف المجزرة التي ترتكبها إسرائيل، وابلغ أبو عمار، الرئيس اللبناني آنذاك الياس سركيس موافقته على خطة المبعوث الأمريكي "حبيب".
يصادف يوم، الإثنين 11/11/2019، الذكرى السنوية الخامسة عشرة لاستشهاد زعيم الشعب الفلسطيني، حيث رحل الشهيد أبو عمار في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004، بعد أن رسخ نهجا نضاليا وثوريا صلبا، وعقب حصار إسرائيلي جائر نفذه رئيس وزراء الاحتلال آنذاك "أرائيل شارون"، لمقر أبو عمار بالمقاطعة وسط مدينة رام الله، والذي جاء ردا على مواقفه الصلبة وتمسكه بالثوابت الوطنية وإدارته للانتفاضة الثانية بعد تنصل إسرائيل من اتفاقية السلام.
كان للشهيد أبو عمار مواقف بارزة ومؤثرة على مختلف مراحل النضال الوطني منذ انطلاقة الثورة المعاصرة، كان يتمتع بحنكة سياسية وإدارة ثورية للكفاح المسلح، وصمود أمام كل التحديات، إذ أنه حوّل الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجلها التاريخ.
بيروت..
وأدى ذلك إلى توافد حشود من المتطوعين الفلسطينيين للانضمام إلى صفوف الثورة الفلسطينية، وأصبحت "حركة فتح" الحركة الأكبر من بين التنظيمات الفلسطينية، كما شجع ذلك بعض التنظيمات الفلسطينية على القدوم إلى الأردن.
وبدأ الثوار مغادرة بيروت في يوم 21 أغسطس/آب ببزاتهم العسكرية وبأسلحتهم الشخصية، وقبل أن يصعد صعود أبو عمار إلى السفينة اليونانية "اتلانتيد" في ميناء بيروت في 30 أغسطس/آب من أجل المغادرة، توقف للحظات وقال بصوت عال "أيها المجد لتركع أمام بيروت".
وشكلت "معركة الكرامة"، قفزة كبيرة بالنسبة لعرفات، إذ أعلن عن "انتصار المقاومة ومحو عار هزيمة 1967".
وفي عام 1968 تصدت قوات الثورة الفلسطينية التي كانت معززة بمدفعية القوات الأردنية، للقوات الإسرائيلية، ودخلت معها في معركة عرفت باسم "معركة "الكرامة" انتهت بإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب.
وكان اجتياح بيروت بدأ في السادس من يونيو/حزيران 1982، لكنه بدأت بقصف جوي عنيف في الرابع من يونيو/حزيران، وتركز القصف الجوي في عمق بيروت الغربية ومواقع قوات المقاومة في الجبل والجنوب، وبدأ تحرك القوات البرية المدعومة بسلاح الجو والمروحيات يوم السادس من يونيو/حزيران، وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن آنذاك ووزير جيشه أرائيل شارون أرادا إعادة تسجيل ذلك التاريخ الأسود من جديد ليطمس خسارة الجيش الذي لا يقهر في أكتوبر/تشرين الأول 1973.
الفلسطينيون يفتقدون الزعيم
من جهته، عبر القيادي في حركة فتح وعضو مجلسها الثوري سمير المشهراوي، في تصريح صحفي سابق، عن فقدان الشعب الفلسطيني للخالد ياسر عرفات قائلا، إن "الشعب الفلسطيني يعيش أسوأ الظروف في تاريخ القضية الفلسطينية، وأن ذكرى رحيل الزعيم ياسر عرفات تمر فى ظل أجواء الهم والإحباط واليأس التي دبت في أوساط الشعب الفلسطيني".
وقال المشهراوي، إن القضية الفلسطينية تتراجع حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها في ظل ضعف حركة فتح وزراعة الأحقاد والانقسامات المتعمدة داخل حركة فتح وقواعدها وداخل الوسط الفلسطيني ككل، حيث أن المواطن الفلسطيني يفتقد زعيما ورمزا بحجم الشهيد ياسر عرفات.
وأكد المشهراوي، أن الفلسطينيين يغلب عليهم الحنين هذه الأيام في ذكرى ياسر عرفات، ويستحضرون فترة حكمه لأنهم يعيشون مرحلة غاية في الصعوبة والحساسية لأنها مرحلة تيه وضياع يدفع الفلسطينيون لافتقاد "أبو عمار" الذي كان يتمتع بصفات يحتاجها الفلسطينيون، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية "تضربها أمواج" الانقسامات والأحقاد في ظل ضبابية القيادة الحالية وفشلها في كل المحطات.
وأضاف المشهراوي، أن القضية الفلسطينية تحت قيادة الرئيس أبو مازن تدفع الفلسطينيين لاستحضار روح الشهيد أبو عمار بصفته رمزا وطنيا لم يتكرر في الساحة الفلسطينية، موضحا أن أبو عمار رسم خارطة فلسطين على "الكوفية" التي أصبحت جزءا من هوية الشعب الفلسطيني، مضيفا "ياسر عرفات زعيم كان يقود شعبه ويمتلك من الحب يفيض به على الناس ويزرع المحبة بين أبناء شعبه وكان حريص دائما على الوحدة الوطنية الفلسطينية"، مشيرا "لو كان الزعيم أبو عمار حاضرا لما حدث الانقسام بين غزة والضفة، ولو كان أبو عمار حيا لما حدث انقلاب حماس.. كان سيلجأ لأخذ طائرته والذهاب لقطاع غزة مثلما فعل فى طرابلس".
ووصف المشهراوي، الرئيس الراحل ياسر عرفات بالقائد الذي كان يتسامى فوق الجراح ويترفع عن الأحقاد ولم يعاقب خصومه، ولم يلجأ لقطع أرزاق الخصوم وقوت أبنائهم ويفرض عليهم عقوبات، مشيرا إلى أن الحنين إليه دائم لذلك يستخدم مصطلح الخالد باعتباره زعيما خالدا في وجدان المواطن الفلسطيني، وشخصًا لن يتكرر.
.