تتسابق بعض الأطراف لبث روح تشوبها لغة التفاؤل بما سيكون من انتخابات فلسطينية قادمة، وتحاول بكل سبل متاحة لها ممارسة تضليلا غير مسبوق، حول القيمة المنتجة منها، وأبرزها "الكذبة الكبرى" المتداولة باسم "تجديد الشرعيات" غير المعروفة ما هي، بل وبتقسيمها وفقا للرغبة الفردية وليس الوطنية.
يبدو ان من يعيد انتاج "الخداع السياسي"، تجاهل كل ما قيل من ذات أدوات التسويق الراهن لتلك الانتخابات، أن الشرعية القائمة ليست "شرعية فلسطينية" بل هي "شرعية "المنسق لسلطات الاحتلال"، حيث يمارس دور الحاكم العام "للمستعمرة الفلسطينية في "الضفة والقدس وقطاع غزة"، "شرعية احتلال" هي السيد، ولها دون غيرها إصدار القانون الذي يتحكم بالحياة اليومية قبل السياسية للفلسطينيين، ولن نذهب لعشرات الأمثلة التي تكشف أن "الشرعية الرسمية" لبقايا السلطة في الضفة باتت ثانوية تماما، وتشرع فيما لا يحتاج "المشرع العام".
والى جانب أنها "شرعية ثانوية" لخدمة "الشرعية الرئيسية" (شرعية المنسق)، فما سيكون من نتائج لتلك الانتخابات، فتح عهد "تيه سياسي فلسطيني جديد"، من الانقسام الى التيه، بما سيكمل تدمير كل المؤسسات الوطنية الفلسطينية.
وفقا لقانون "النسبية الكاملة"، وانطلاقا من كل استطلاعات الواقع القائم، فلا يوجد حركة يمكنها ان تكون صاحبة القرار ولا أغلبية برلمانية، أي كان الفائز بأولوية من حركتي "النكبة الثالثة" فتح (م7) وحماس، افتراضا أن الشعب الفلسطيني لم يعاقبهما العقاب الوطني اللتان تستحقان، لظروف متعددة، ومنها الخوف والإرهاب والفقر والضغط، وتحسبا لما سيكون ما بعدها، لكن المؤكد أن لا فائز وحيدا ليصبح صاحب القرار.
وافتراضا، ان فتح (م7) ستحقق المكانة الأولى في "التشريعي" القادم ومعها بعض من قوى تسير في ركبها، فمن مستحيلات السياسة أن تصل الى نصف زائد واحد ليتاح لها تشكيل "حكومة" سلطة المرحلة الانتقالية الجديدة، ومن بين مستحيلات السياسة ان تتوافق حماس معها لتشكيل "حكومة وحدة" لحسابات خاصة، معقدة، بواقع الحال في الضفة والقطاع.
وبالطبع وتحت كل الظروف، ووفقا لتصريحات قيادة "التيار العباسي"، لن يمنح رئيس السلطة محمود عباس حركة حماس فرصة تشكيل الحكومة، حيث القانون لا يفرض عليه شرطا بمنحها للفائز الأول، ولذا ستكون فتح (م7) هي الخيار، وستبقى تحاول أشهرا ما لم توافق حماس بلا طائل، ومن هنا تبدأ رحلة تيه سياسي جديد.
تكليف ثم فشل فتكليف ففشل الى ان يجد مستجد سياسي قاهر أو ظرف إنساني يفرض "معادلة جديدة"، مع بقاء الوضع العملي عليه في الضفة والقطاع، فحماس لن تكون ذلك "الحمل السياسي" لتسليم "إمارتها بردا وسلاما" لـ "خصمها الوطني"، وهي تعلم يقينا مخططاته نحوها، وستبقي حال قطاع غزة تقريبا على ما هو عليه تحت ذريعة تشكيل حكومة مقبولة برلمانيا.
فالخداع لن ينضب، ومخطئ كل الخطأ من يعتقد أن رئيس السلطة الانتقالية عباس له أدنى اهتمام سياسي بأن تعود وحدة "لم الشمل السياسي" بين الضفة والقطاع، ولو قامت حماس بتسليمه كل مفاتيح الإدارة المدنية، فهو يعلم يقينا ان القوة الحقيقية ستبقى بعيدة عنه تماما، وما سيكون هو أن يصبح "صراف آلي" لموظفي حماس المدنيين وكل الشأن غير المسلح.
ورسائل قائد حماس في قطاع غزة يحيى السنوار الأخيرة، حول عدد وعدة كتائب القسام، والتي شكلت مفاجأة للمتابعين، بل كانت مستفزة جدا وطنيا، لم تكن في حقيقتها رسالة الى دولة الكيان المحتل، وغبي من يراها كذلك، لأن السنوار قبل غيره، يعلم أن تلك أرقام لا تحسم معارك كبرى، لكنها رسالة واضحة جدا لفتح (م7)، وغيرها، ان الحكم في قطاع غزة أي كانت نتاج الانتخابات سيبقى تحت رعاية "كتائب القسام"، أي أنها ستكون المنسق الجديد لسلطة قطاع غزة ولن يستبدل ابدا.
وعباس قبل غيره يعلم تلك الحقيقة الثابتة، ولذا تمسك بعدم توازي الانتخابات الرئاسية مع التشريعية، لكي يبقى صاحب قرار التكليف الحكومي، أي كانت نتاج الانتخابات المقبلة (مسبقا لن يكون هناك انتخابات رئاسية في عهده)...وتبدأ رحلة صراع "شرعيات" من طراز جديد، ستستخدم به حماس ما ستسميه "شرعية المقاومة" التي لن يسمح بالمساس بها، على طريقة حزب الله في لبنان، فيما لن تسمح فتح (م7) بالمس ابدا بـ "شرعية التنسيق الأمني". ومن هنا ستبدأ رحلة صراع غير الصراع.
هل يدرك بعض المصابين بهوس "تجديد الشرعيات"، أي صراع سيكون بعدها، وأي رحلة تيه سياسي جديد سيكون...ومن لا يراه مبكرا سيراه لاحقا، ولكن بعد أن يكون فات السبت وقطاره...ولا عزاء للأغبياء!
ملاحظة: فجأة صحا بعض الضمير الإنساني لدى البعض الفلسطيني بعد وفاة الفتى يحيى كراجة، منذ أشهر ينادي يتسول يصرخ، فلا حياة لمن ينادي حتى حرق نفسه خلاصا من قهر وذل، وذهب بعيدا فتذكر المدعين حقه... فعلا "إنسانية" لكنها منحطة!
تنويه خاص: ربما سيكتب التاريخ تعريفا جديدا للانتهازية السياسية، مشتقة من سمات رأس الطغمة الفاشية الحاكمة في إسرائيل نتنياهو...فمن أجل الفوز قدم منصب وزير الجيش لفاشي صغير وجهول...المنصب سيد الأحكام!