كتب: ميرفت عبد القادر – علي أبو عرمانة: استيطان يتغول، يفصل بين أجزاء الوطن، ممارسات عنصرية، يتكبد الفلسطينيون بفعل سياسة التضييق التي يترجمها التمدد الإستيطاني، ضد البشر والحجر وأراضيهم الزراعية، خسائر تفوق 800 مليون دولار سنوياً، بسبب سيطرة إسرائيل على مناطق الأغوار الشمالية، التي تعتبر سلة الخضار والفاكهة للفلسطينيين، وثاني مصدر دخل سياحي رئيسي بعد القدس، نظرًا لوجود العديد من المعالم التاريخية والحضارية فيها.
وتواصل سلطات الاحتلال تمددها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، في انتهاك صارخ لأحكام ومبادىء القانون الدولي، والذي يندرج وفقاً للفقرة الثامنة من المادة الثامنة لنظام روما لمحكمة الجنايات الدولية، في إطار جرائم الحرب.
وتمعن "إدارة ترامب" في الإصطفاف إلى جانب الاحتلال، لتعميق الوجود الإستيطاني في الأراضي الفلسطينية، لا سيما اليهودي في منطقة الأغوار، ضاربا بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية، بتحكيم شريعة القوة المتنفذة لأمريكا ومدللتها إسرائيل.
وتعتبر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بشرعنة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، تطورا خطيرا للمواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وتتويجا لسياسة إدارة ترامب المنحازة تماما لإسرائيل، الأمر الذي قوبل برفض شديد على مختلف المستويات والأصعدة.
خدمة للمصالح الانتخابية الضيقة
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، الدكتور أيمن الرقب، أن تصريحات بومبيو، تحديًا صارخا للشرعية الدولية وللقوانين الناظمة للمجتمع الدولي، مشددا على أنه يتعارض جذرياً مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان وقرارات مجلس الأمن 446 و452 و465 و478 و2334.
وأوضح الرقب، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، أن تصريحات بومبيو تقدم "خدمة للمصالح الانتخابية الإسرائيلية الضيقة، ودعماً واضحا لنتنياهو كما حدث في جولة الانتخابات الماضية عندما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالجولان المحتل، كأراضٍ تابعة لدولة الاحتلال ومحاولة بائسة لانقاذ حليفهم نتنياهو من الفشل في الجولة الثالثة من الانتخابات الإسرائيلية".
وأكد الرقب، أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تُنصب نفسها حاكماً مطلقاً لهذا العالم، و تعيد صياغة قوانينه وأنظمته كما تشاء، وهي بذلك لم تستفد من تجارب الدول الاستعمارية التي سبقتها في التنكر لحق الشعوب، ويتنافى مع ما تتغنى به حول ديموقراطيتها".
مقاضاة أمريكا دوليا
وتابع الرقب، أن "التصريحات بمثابة إعلان قطع كافة السبل أمام فرص السلام في المنطقة، وتُخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أي دور لها في أي عملية سياسية قادم، إلا بعد أن تتراجع عن كل قراراتها المجحفة بحق الشعب الفلسطيني".
وعبر الرقب،عن تخوفه تجاه تحول هذه التصريحات، إلى قرارات من قبل إدارة ترامب، داعيًا السلطة الفلسطينية، للتحرك بشكل أكبر وتشكيل طاقم قانوني عربي ودولي للتوجه لمحكمة العدل الدولية لمقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية على قراراتها المخالفة للقانون الدولي، وطالب الرقب، السلطة الفلسطينية بعدم الاستمرار في دورها السلبي الذي لم يتجاوز التظليل الاعلامي وتبدأ في خطوات جدية لتحقيق ذلك لمواجهة هذا القرار".
سمات مشتركة
بدوره، أكد اللواء متقاعد والخبير بملف الإستيطان، عيسى أبو عرام، أن "السياسيات الأمريكية تنطلق من مرجعيات دينية توراتية، تعتمد أساساً على ممارسة العنف والإبادة والتطهير"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة قامت على جماجم عشرات الملايين من سكانها الأصليين الذين كانوا يسموا بـ"الهنود الحمر".
وقال أبو عرام، في تصريحات خاصة لـ "الكوفية"، إن "أمريكا تعتمد على أنها مجتمع استيطاني منذ نشأتها وهذه صفة مشتركة مع إسرائيل، وهذه الطبيعة وهذا التعريف جعل أمريكا هي رأس حربة في العدوان والإجرام في العالم".
وأضاف، أن "أمريكا ترسم سياساتها في كيفية السيطرة والاستحواذ على كل شيء في الدول، سواء في الشرق الأوسط أو دول العالم مجتمعة"، لافتا إلى دورها في تعزيز النعرات الطائفية والمذهبية والدينية، ونجاحها في تحقق قفزات كبيرة جدًا في السياسة الأمريكية والأمنية في المنطقة.
وشدد أبو عرام، على "توافق المنهاج الأمريكي والإسرائيلي في قانونية الاستيطان لكليهما"، موضحا أن "كل طرف منهما يعتبره شرعي وفق منطق القوة استنادا إلى عقليه الشر التي هي سمه مشتركه بينهما".
شطب المشروع الوطني الفلسطيني
وحذر أبو عرام، من تبعات السياسات الأمريكية على القضية الفلسطينية و وتأثيراتها، قائلًا إن "السياسات الأمريكية تسعى لشطب المشروع الوطني الفلسطيني، كون القضيه الفلسطينة تأخذ منحنى أيديلوجي للكنيسه الإنجيلية، وتم التعبير عن هذا الانحياز عبر قرارات اتخذت بشكل فج مؤخرا من قبل الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها للقدس، وعلى المستوى الدولي استهدفت بقطع التمويل عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وأخيرا جاءت تصريحات مايك بومبيو لتصب بهذا الاتجاه".
وشدد على أن هذا التصريح "يشجع اليمين الحاكم بدولة الاحتلال على ضم ما يقارب من الـ60% من مساحة الضفة الغربية وبذلك ينتفي معه حل الدولتين".
لقاء طارئ للفصائل الفلسطينية
من جهتها، أكدت الهيئة العليا لشئوت العشائر اليوم الثلاثاء، أن تصريح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بشرعنة الاستيطان في الضفة المحتلة، اعتداء واضح على حقوقه شعبنا الفلسطيني المشروعة.
وقال المفوض العام للعلاقات الوطنية والعامة للهيئة العليا لشؤون العشائر، عاكف المصري، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، إن "تصريح بومبيو بشرعنة الاستيطان في الضفة المحتلة، يندرج ضمن سياسة الإدارة الأمريكية ، الداعمة والمساندة للحكومة الصهيونية المتطرفة"، مشيرا إلى أنه "اعتداء واضح على حقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة.
وأكد المصري، أن "هذا الموقف وما سبقه من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وما تقوم به حكومة نتنياهو من عدوان وجرائم، يستدعي الدعوة إلى لقاء عاجل وطارئ لكافة الفصائل الفلسطينية، والبدء في انهاء الانقسام الأسود والدعوة إلى انتفاضة شعبية عارمة في الضفة والقدس وغزه والأراضي المحتلة عام 48".
كما شدد على أن تصريحات بومبيو، تستدعي حشد الدعم الدولي، خاصة أن هناك قرارات في المحاكم والهيئات الدولية، وكان آخرها قرار مجلس الأمن 2334، عام 2016، والذي لم تعارضه إدارة أوباما بل كانت شريكة في صياغته، موضحا أن القرار ينص على أن "كل المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة عام 1967، بما فيها المستوطنات في القدس الشرقية، غير شرعية .
انحياز تام للاحتلال
من ناحيته، وصف عضو اللجنة المركزية في الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، عامر الجعب، تصريح بومبيو حول شرعيه الاستيطان بـ"الأرعن"، مشيرا إلى أنه يعبر عن الانحياز الأمريكي التام إلى جانب المحتل، ويجعل الإدارة الأمريكية شريكه للاحتلال في ممارساته العدوانيه تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل.
وأكد الجعب في تصريحات خاصة بـ"الكوفية"، أن "الإدارة الأمريكية أصبحت تتبجح بشراكتها للاحتلال في العداء لشعبنا وحقوقه الوطنيه"، لافتا إلى أن هذا الإعلان لا يساوي الحبر الذي كتب به.
وشدد ، على تمسك شعبنا الفلسطيني بحقوقه الشرعية التي أقرها المجتمع الدولي، ولن يقبل بإملاءات من الإدارة الامريكيه التي أثبتت عدائها وتنكرها للحقوق الوطنيه للشعب الفلسطيني، موضحا أن الاستيطان والاحتلال مصيره إلى زوالـ طال الزمن أم قصر، وأن شعبنا سيعمل مع المجتمع الدولي والدول المحبه للسلام من أجل تعرية الإدارة الأمريكيه التي تثبت يوما بعد يوم أنها لم تكن في أي وقت، وسيطا نزيها للعمليه السياسية في الشرق الأوسط .
الوحدة الوطنية هي الحل
وأوضح، أن "إفشال المؤامرات والمشاريع الأمريكيه والصهيونيه التي تستهدف القضيه الوطنيه والمشروع الوطني، تتطلب وحدة الموقف الفلسطيني، وهذا لن يكون الا بإنهاء حالة التفرد بالقرار الوطني، من خلال الوحده الوطنيه وإنهاء الانقسام، والعمل على توحيد الوطن ومؤسساته ووضع استراتيجيه وطنيه شامله بشراكة سياسيه من الكل الوطني، وإعاده الروح الكفاحية لمنظمه التحرير الفلسطينيه والعمل على الإعداد للقاء وطني شامل يشارك فيه الجميع، ويؤسس لعقد مجلس وطني توحيدي استنادا إلى مخرجات اللجنه التحضيرية في بيروت".
ودعا الجعب إلى ضرورة العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التحضير لانتخابات تشريعيه ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني حيثما أمكن ذالك، والتصدي لكافه المشاريع المشبوهة في المنطقة، وتحديد الأولويات الفلسطينيه والتي أهمها العمل على الخلاص من اتفاق أوسلو، واتفاق باريس الاقتصادي، وسحب الاعتراف المتبادل بين منظمه التحرير ودوله الاحتلال.
كما طالب بوقف كافة أشكال التنسيق مع الاحتلال، وتطبيق قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي منذ عام ،2015 والعمل على الانفكاك الاقتصادي والتبعية الاقتصادية للاحتلال، وهذا هو الرد المناسب على تصريحات وزير الخارجية الأمريكية".