عندما يأتي التحذير من الأمم المتحدة فهذا يحمل دلالات عميقة، أنه ليس مجرد تحذير أو تخويف؛ بل يستند إلى حقائق ووقائع على الأرض. فقد حذرت الأمم المتحدة من الزمن الذي تصبح فيه غزة غير صالحة للحياة، وأن قنبلتها في الطريق نحو الانفجار، والمقصود بذلك الانفجار السكاني الذي سيطال الجميع وخصوصاً «إسرائيل»؛ المسؤول الأساسي عن معاناة غزة، وهذا لا يعفي مسؤولية حركة حماس؛ كونها المتحكمة في خيارات القطاع.
فمنذ خمس سنوات حذرت الأمم المتحدة من أنه إذا لم تتغير الظروف الإنسانية في غزة فسيصبح القطاع غير صالح للحياة مع حلول عام 2020. ومنذ سيطرة حماس على غزة والحصار مفروض على القطاع، الذي شهد ثلاث حروب راح ضحيتها آلاف الشهداء عدى الجرحى، ودمرت معظم بنيتها التحتية من ماء وكهرباء، وتراجع سلم الخدمات الحياتية وخصوصاً الصحية، وباتت غزة رديف الفقر والبطالة والخوف من المستقبل، كما أغلقت جميع قطاعات العمل لتنعدم فرص العمل أمام الآلاف من الخريجين من الشباب، ولم يبق أمامهم إلا أبواب الهجرة المعدومة والمحفوفة بالمخاطر، أو أبواب الانضمام للجماعات المتشددة، وهو ما يزيد من درجات العنف وانتشار الجريمة بكل أشكالها وأبرزها الانتحار الفردي وهو أعلى درجات التعبير عن عدم صلاحية الحياة في غزة. ومنذ أن نظمت مسيرات العودة قبل عام، سقط أكثر من 300 شهيد، وأكثر من 35 ألف جريح معظمهم فقدوا أيديهم أو أعينهم أو أرجلهم وتحولوا إلى عبء على المجتمع، وإلى قوى معطلة عن الإنتاج. واليوم يشرب سكان القطاع الذين يزيدون على مليوني نسمة مياهاً غير صالحة للشرب، ومنهم من يبحث عن غذائه في أكوام القمامة.
وليس فقط مياه الشرب غير صالحة؛ بل الأنابيب وخزانات المياه ملوثة ما قد تتسبب في أمراض خطرة كالسرطان، حيث تعتبر نسبته الأعلى.
وقد أشار تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجاره التنمية (الأونكتاد) إلى أن غزة تعيش مرحلة انهيار اقتصادي وشيك، فالبطالة وصلت إلى 42 في المئة، و53 في المئة في حالة فقر، وما نسبته 7 في المئة انكماش الاقتصاد المحلي، وتبلغ خسائر القطاع الافتصادي أكثر من 70 مليون دولار شهرياً. وكل هذا يضع السكان في غزة أمام معادلة صعبه تدفع إلى الانفجار في وقت قريب، فمن ناحية ارتفاع عدد السكان وتجاوزه المليونين مع عدم الحد من الإنجاب يعني زيادة سلم الاحتياجات والمطالب المادية والمعيشية، وهذا السلم يسير بوتيرة سريعة. وبالمقابل هناك انخفاض في القدرة على الاستجابة لمطالب الحياة من زاويتين؛ الأولى الزاوية الشخصية بسبب ضعف الرواتب وعدم زيادتها ودفعها بانتظام، ما يعنى عدم قدرة الأب أو المعيل على تلبية حاجات أسرته، ما يدفعه لبيع ما يمتلكونه حتى من أثاث، ويدفعهم إلى العمل في الأعمال الصعبة، والزاوية الثانية تراجع قدرة السلطة المسؤولة في الضفة عن تلبية الاحتياجات المتزايدة من احتياجات صحية وتعليمية وأمنية وسكنية وغيرها من الخدمات الأساسية، وأسباب ذلك كثيرة منها حجز «إسرائيل» للأموال الفلسطينية، وضعف تحصيل الرسوم والضرائب بسبب غلق كثير من المشروعات الخاصة، وهنا تقع المسؤولية على حركة حماس التي تدير القطاع، حيث تفرض رسوماً وضرائب، إضافة إلى النفقات الأمنية، وتخمة الجهاز الإداري، وهذا كله في النهاية سيؤدى إلى اتساع الفجوة بين منحنى الحاجة، ومنحنى القدرة على الاستجابة، والنتيجة الحتمية هي الانفجار الداخلي الذي قد يعبر عن نفسه في صور عديدة.
وقد يقول قائل إن هذا مبالغ فيه، وإن غزة تعيش وتحيا وفيها العديد من الأماكن العامة التي قد لا تتوفر في غيرها. هذا صحيح من الناحية البصرية، لكن في الواقع وفي ضوء مؤشرات الحياة العامة، فإنها تعاني الآن مظاهر غير صالحة للحياة، ولو سمح لشبابها بالخروج فسنجد الآلاف يهاجرون بحثاً عن الحياة.
هذا مجرد تحذير يحتاج منا جميعاً لدراسة أسبابه والإسراع في تقديم الحلول السريعة والناجعة التي تضمن البقاء لغزة. فالبحر مغلق والبر مغلق وكذلك الجو، وهذا يعني أن منافذ الحياة كلها مغلقة، حتى القبور لم تعد تتسع لاحتضان أبنائها في ترابها.