إعلان الرئيس الأمريكي "ترامب" عن خطته صفقة العصر (إقرأ سرقة العصر) وبحضور إحتفالي محدود جداً إن كان على الصعيد العالمي أو الصعيد العربي يؤكد أن المحاولة التي تجري "لِ" سرقة ما تبقى من الأرض الفلسطينية غير مُرحّب بها من المجتمع الدولي الرسمي والشعبي، أما من سيفشل هذه السرقة فهو الموقف الفلسطيني الموحد عملياً وليس لفظياً، لذلك يتبادر السؤال فوراً، ماذا سيفعل الكل الفلسطيني وبالذات القيادة الرسمية المعترف بها دوليا وعربياً؟
وللإجابة على هذا السؤال، لا بدَّ لنا بادئ ذي بدء أن نُنهي "خُرفية" الإنقسام والتي تُعتبر المقدمة بل الأساس لما طرحه "ترامب" مُعتقداً أن الواقع الموضوعي الفلسطيني بالذات والعربي بشكل عام جاهز ومفروش لتطبيق "سرقته" وإنهاء القضية الفلسطينية التي تُعتبر محور الصراع المركزي في الإقليم رغم كلّ المحاولات لحرف البوصلة وتوجيهه داخليا في فلسطين "الإنقسام بين الضفة وغزة" والدول العربية "الفوضى والإرهاب"، وخارجيا في مواجهة إيران.
الكثير من الكتاب والسياسيين طرحوا خُطط وبدائل، بل إن بعضهم وضع خارطة طريق كاملة لكيفية التعامل مع "سرقة العصر" كما تعددت التصريحات النارية من القيادات الرسمية الفلسطينية ومن قيادات الفصائل المُتعددة، لكنهم في خضمّ ذلك لم يقوموا بمحاكاة واقعية يستطيعون من خلالها إقناع الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بجدوى هذه التصريحات وهذه الخطط.
الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لتحشيد ورفع المعنويات والهِمَم عبر الجمل الطنانة، هو بحاجة للقيام بأول خطوة محاكاة والتي تتمثل بقرار من الرئيس بوقف كافة الإجراءات المُتخذه ضد قطاع غزة سابقاً ومهما كانت من جهة، ومن الجهة الأخرى أن تتخذ حماس قرار بتسليم كافة الوزارات وغيرها للحكومة الفلسطينية وبحيث يكون ذلك متزامناً، ويعقبها فورا الإعلان عن عقد لقاء للقيادة المؤقتة لمنظمة التحرير بحضور أمناء الفصائل جميعها واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير للإعلان عن البدء في تشكيل حكومة أو قيادة مؤقتة للسلطة الواحدة والإتفاق على برنامج سياسي واحد أساسه ما تم الإتفاق علية سابقا عبر كل الحوارات السابقة، وآليات كفاحية شعبية لمواجهة المؤامرة الكبرى والتي ستؤدي حتما لفرض أمر واقع جديد وبالذات في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
الخطوة الثانية في المحاكاة تتمثل في نقل مقر القيادة وإتخاذ القرار إلى غزة أو الخارج حيث الشتات الفلسطيني وبقاء حكومة أو قيادة للسلطة الواحدة مهمتها الأساسية خدماتية وشرطية لا أكثر، خاصة أن المفهوم الأمني القائم يجب أن يتم تغيير وظيفته لأنه بالأساس كان مرتبطا بإتفاقات تم إلغائها عمليا ونظريا وقانونيا، فلا يُعقل أن تبقى الأمور على حالها في حين الطرف الآخر يضرب بعرض الحائط كافة الإتفاقيات السابقة.
سيقول البعض أن هناك خطوات تمت وأن هناك رسائل بُعثت وأعلن عنها، ونحن هنا لا نُشكك في ذلك بل نطالب أن يتم نَشر أي رسالة بُعثت لأنها وثيقة رسمية ولكي يراها الكل الفلسطيني إيذاناً بمرحلة جديدة قد بدأت، أما قيام البعض القيادي والذي لا يُعبّر عن موقف رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية بتصريحات صحفية، فهذا غير كافي ولا يُطمئن لا الشارع الفلسطيني ولا التوجه نحو وحدة حال فصائلية واحدة تؤدي لإنهاء الإنقسام، فالأمر أكبر من أن يقاد بطريقة المقابلات التلفزيونية والتصريحات الصحفية الرنّانة لأنها في الحقيقة تحشيدية أكثر من كونها تُمثل موقف قانوني ورسمي، وعليه فلسطينيا حتى الآن لا نستطيع القول أن هناك مواقف إتخذت سوى موقف واحد مُتَمثل برفض "سرقة العصر" رسمياً وفصائلياً وشعبياً والتحرك في الشارع والذي لكي يتطور بحاجة لآليات موحدة وقرارات صعبة.
عربياً الأمر أصبح واضحاً، لن نحصل إلا على دعم تحت عنوان : العرب لن يقبلوا إلا ما يقبله الفلسطينيين وقد يوافقوا أيضاً على إعتبار المبادرة العربية أساس للمفاوضات والحل، خاصة أن البعض الرسمي رحّب بما طَرَحه "ترامب" وطالب بالبدء بالمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ولكن بدون تحديد مرجعية هذه المفاوضات...من هنا فإن على القيادة الفلسطينية أن تَعي أن العرب أصبحوا "عَرَبان"، عَرَب سيدعموا عمليا الموقف الفلسطيني بقوة ولن يتخلوا عن القدس وفلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية، وعَرَب سيجاملون ويقفون بشكل نظري بدون أي خطوات عملية وسيروْن أن مصلحة بلدانهم مع "سرقة ترامب"، المهم في النهاية أن يبقى الموقف الرسمي للجامعة العربية مؤيد للحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وبما يُعزز موقفنا أمام المجتمع الدولي.
حقيقةً مهما عملنا ومهما صرحنا ومهما غضبنا بدون المحاكاة الأولى والأساسية المتمثلة في الوحدة الوطنية ودفن الإنقسام عمليا وفعليا فلا يُمكن وتحت أي ظرف أن نستطيع مواجهة القادم حتى لو جاء كما يعتقد وينتظر البعض الرسمي الفلسطيني والعربي لرئاسة الحكومة الإسرائيلية "بني غانتس" أو فَشِلَ "ترامب" في الإنتخابات الأمريكية القادمة.
العنصر الذاتي دائما هو الأساس وعلية يُمكن البناء، ومن خلاله يُمكن مواجهة الظرف الموضوعي الذي تَشَكّل بفعل الهجمة الأمريكية على منطقتنا عبر الإرهاب والفوضى الخلاّقة، ولحسن حظنا أن هذا الظرف يحمل بداخله مَخاض لصالحنا، مَخاض يؤسس لتعدد الأقطاب، مخاض يؤسس لمحاور واضحة سوف تتصادم بفعل الصراع على الطاقة والغاز والنفوذ، فقط علينا أن نتوحد وأن نضع آليات مُمكنة وواقعية أساسها الكفاح الشعبي الفلسطيني المُستند للحق الفلسطيني المُعترف فيه دوليا، وإحداث تحالفات جديدة داعمة لهذا الحق ولا تساوم عليه.