الكوفية:بعد مرور ما يقارب شهر على الإعلان الرسمي للخطة الأمريكية الخاصة بتهويد الأرض الفلسطينية، ومقدمة ولادة "دولة اليهود"، لم يحدث هناك أي تغيير جوهري على المشهد الفلسطيني، وتستمر "الحياة السياسية" كما كانت قبل 28 يناير 2020، وكأن الذي كان لا يمثل تهديدا جوهريا للمشروع الوطني وتدمير مسار التاريخ الكفاحي، منذ ولادة منظمة التحرير عام 1964، واطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة برصاصتها الأولى يناير 1965 بقيادة حركة فتح.
ومع كل تقدم نحو تنفيذ خطة ترامب، وتسارعها المتوقع بعد الانتخابات الإسرائيلية يوم الأحد 2 مارس (آذار) 2020، أي كان التحالف الفائز، فلا يمكنه أن يكون "يهوديا صهيونيا" أقل من الإدارة الأمريكية، فلا يستطيع التراجع أو تعديل مسار تلك الصفقة، من حيث الضم والتهويد، ولم ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ليفتح باب الاستيطان على أوسع أبوابه، في آخر مهامه الرسمية قبل وداعه النهائي الحياة السياسية، ودخوله السجن مصيره المرتقب، ليفرض امرا واقعا لا يستطيع القادم ان يتوقف على مضي الحركة الاستيطانية.
ولذا فالضفة والقدس، يتحدد مصيرهما في ظل "الدولة اليهودية" القادمة، دون ان تجد تعطيلا عمليا من الطرف الفلسطيني، سوى بعض بيانات باتت تمثل من بلادتها السياسية "قوة دفع لقاطرة التهويد، خاصة وأن الانقسام يزداد عمقا يوما بعد يوم، بحيث بات القضاء على هذا الوباء "حلما فلسطينيا"، لا يقل عن حلم اسقاط الخطة الأمريكية.
تنامي الاستيطان والتهويد، بالتوازي مع انهيار المواجهة الوطنية في الضفة الغربية وتعمق الانقسام العام سياسيا وجغرافيا، يمثلان قوة دفع سريعة للقيام بعملية تضع نهاية لتحديد "البعد الانفصالي" بين الضفة وقطاع غزة، وذلك عبر استخدام "العملية العسكرية" غير المفاجئة بعد الانتخابات الإسرائيلية، وتشكيل "تحالف غانتس – ليبرمان"، وهو أمر لم يعد خارج الحساب السياسي.
مجمل التصريحات الإسرائيلية، تضع حكم حماس في قطاع غزة هدفها لها، وتسير حول دائرة تثبيت الحكم القائم، وفقا لمعادلة "لا بديل في الوقت الراهن لحماس"، ولذا قبل الحديث عن إسقاطها يجب "إيجاد البديل"، ما يكشف أن تحالف الرئيس محمود عباس ليس هو "الخيار المطلوب" لحكم القطاع، بعيدا عن تصريحات متناثرة لهذا أو ذاك من ساسة الصف الثاني ولأحزاب فقدت قيمتها وأثرها العام.
نتنياهو، وبعض قادة الليكود وتحالفهم، أعلنوا بلا أي التباس ان وجود حماس في الحكم ضرورة سياسية، ويجب دعمها، تصريحات تقال بكل علانية و"شفافية"، وخلال الحملة الانتخابية رغم كل صراخ البعض الذي يختار اللغة العسكرية، لكن جميع القوى تتفق أنه لا بديل لها في القطاع.
خيار الحرب – العملية العسكرية ضد قطاع غزة "خيارا قائما"، بل ربما يتسارع بعد الانتخابات لأسباب متعددة، أولها رسم معادلة جديدة في العلاقة بين حماس والحكومة الإسرائيلية المنتخبة يتجاوز جوهر "التفاهمات" القائمة، ولتنتقل الى شكل من أشكال "الاتفاقات شبه الرسمية"، بما يشمل وضع السلاح وحركة الأجنحة العسكرية وحركتها لتصبح ضمن "قيود" معلومة، وليس خيارا يستخدم حسب الحاجة.
ومن الأسباب للحرب القادمة، ترسيم واقع الفصل السياسي بين الضفة وقطاع غزة، دون إعلان رسمي، ولكن بـ "خطوات رسمية"، عبر تأكيد أن "حماس" هي الشريك العملي لإسرائيل، والعمل على الانتقال من الحديث عن الخطوات الرئيسية لترسيخ الفصل الى البدء بالتنفيذ، وتوسيع مساحة القطاع نحو بير السبع.
ومن تلك الخطوات، بناء الجزيرة المائية، وتوسيع حركة التبادل الاقتصادي وحركة العمالة بين "الطرفين"، الى جانب تنفيذ البعد الاقتصادي لقطاع غزة في خطة ترامب، لبناء مناطق صناعية في بير السبع، لحل جزء هام من الأزمة السكانية عبر تسكين عشرات آلاف من أبناء القطاع في تلك المناطق، وحل بعضا من الأزمة الاقتصادية.
بالتأكيد، تنفيذ مثل تلك الخطوات لن تأتي بشكل طبيعي، وحكومة إسرائيل مع ليبرمان لا يمكنها القيام بذلك، بتلك "السلاسة السياسية"، ولا حركة حماس يمكنها الموافقة الصريحة على الانخراط العملي في تنفيذ الصفقة التهويدية الأخطر على القضية الفلسطينية، ولذا لا بد من عامل يساعد على تمرير الجزء الغزي من الخطة الأمريكية، وإن كان "له تكلفة تبدو كبيرة"، نتاج ما ستتركه آثار الحرب – العملية العسكرية، لكن ثماره السياسية لإسرائيل تفوق جدا "أضرار المباني وبعض القتلى لو حدث".
الحرب – العملية العسكرية المرتقبة لا تحتاج لأي ذريعة، فصاروخ تائه يكفي لذلك، بل ان عبوة قرب السياج الفاصل يمكنها تحقيق ذلك.
مسألة قد تتطلب من حركة فتح (م7)، التفكير الجاد أمام هذا التقدير لو انها لا تزال تملك رصيدا لمقاومة انهاء مسار تاريخ الثورة وفتح مسار نقيضه...فتح هي المسؤولة أكثر عن تمرير المؤامرة بصمتها وليس حماس، التي هي بالأصل ليست جزءا من مسار تاريخ الثورة المعاصرة، بل وجدت بديلا له.
ملاحظة: يبدو ان نتنياهو مع ملامح خسارته الأبدية للحياة السياسية تحول الى "الهلوسة الدينية"، اتهم معارضيه بأنهم "يسار واليسار كافر وغير توراتي"...كلام ذكرنا بقوى الإسلام السياسي يوم ان كانت أداة لخدمة المشروع الاستعماري والرجعي ضد الشيوعية!
تنويه خاص: تصريحات "اليهودي" ساندرز ضد عنصرية نتنياهو تؤكد أن "التواصل" مع البعض منهم ليس جريمة وطنية لو أحسن الاستفادة منها وطنيا، وليس "مشروعا خاصا" لغاية في نفس مريضة بقلة الانتماء الوطني!