تحوّلت ناقلات النفط العملاقة، من ناقلات إلى مستودعات ومخازن عائمة للنفط إثر الانخفاض الحاد في سعر البرميل الذي تراوح بين 22-30 دولارا للبرميل الواحد خاصة بعد انفضاض الشراكة النفطية مؤقتاً بين روسيا والسعودية ما أدّى إلى هذا الانخفاض الأكبر منذ العام 2002، ويبدو أن اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولي العهد السعودي محمد بن سلمان طالباً منه إنهاء فوضى الإنتاج والاتفاق مع روسيا بهذا الشأن، وهو الاتصال الذي أعقبه ترامب بتهديده بفرض رسوم ضخمة على أسعار النفط إذا استمرت الأسعار على ما هي عليه الآن، مؤكداً أنّ ذلك حسب زعمه يؤكد أن أميركا ليست بحاجة إلى النفط الأجنبي.
العودة إلى الشراكة بين روسيا والسعودية في سياق "أوبك - زائد" لا زالت متعثرة رغم "الوساطة" الأميركية والتراجع النسبي في التراشق بين موسكو والرياض حول المسؤولية عن انخفاض الأسعار، واعترافهما المتبادل بأن ذلك يُشكّل ضرراً كبيراً لكل الأطراف إلاّ أن الاجتماع الذي كان مقرراً لـ"أوبك"، يوم الاثنين الماضي، تم تأجيله إلى يوم غد. ويعود هذا التأجيل بنظر بعض المحللين إلى أن الاتصالات المسبقة لم تؤد إلى تفاهمات مقبولة في حين رأى البعض الآخر أنّ التأجيل يعود إلى مزيد من الدراسة والاتصالات التي من شأنها تسهيل التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأطراف على الحد من الإنتاج بواقع 10 إلى 15 مليون يومياً ما يعيد الأسعار إلى المستوى المقبول في ظل تراجع الاستهلاك على ضوء تداعيات وباء كورونا.
ورغم صحة ما يدعيه ترامب من أنّ الولايات المتحدة لم تعد بحاجة كبيرة إلى النفط المستورد، إلاّ أنها في الواقع بحاجة إلى نفط غير رخيص في الأسواق بينما الإنتاج المتزايد يدفع الأسعار إلى التدني وهي أسعار غير اقتصادية على الإطلاق للإنتاج النفطي الأميركي، ما يعني أن الشركات الأميركية الكبرى قد تتوقف عن الإنتاج وبعضها قد تصل بها الأمور إلى الإفلاس نظراً لتكلفة الإنتاج العالية للنفط الصخري الأميركي ما يجعل الأسعار المتدنية للنفط ليست لصالح صناعة الطاقة الأميركية، من هنا يمكن أن نفهم طبيعة الوساطة الأميركية الهادفة إلى تهدئة حروب أسعار النفط بين روسيا والسعودية.
وترى موسكو أن خفض الإنتاج إلى ما دون 11 مليون برميل يومياً من شأنه أن يرفع الأسعار، الأمر الذي ستستفيد منه أميركا قبل غيرها، حيث يمكن لها أن تصدّر 13 مليون برميل يومياً ما يؤهلها للتنافس مع روسيا على أسواق النفط وبالضرورة ليس ذلك من مصلحة روسيا ولهذا تطالب موسكو بأن أي اتفاق يجب أن يضع بالاعتبار مسألة الطاقة الأميركية في الأسواق الدولية.
مع ذلك فإن إمكانية العودة إلى الأسعار السابقة حتى في حال خفض الإنتاج، إمكانية غير واقعية بالنظر إلى تراجع الحاجة إلى النفط في ظل تداعيات وباء كورونا من ناحية ونظراً للسوق المشبعة بالنفط في المخازن والمستودعات من ناحية ثانية، إلاّ أنّ ذلك قد يزيد من الأسعار نسبياً على المستوى الزمني المتوسط في حال تراجعت تداعيات وباء كورونا.
وتؤشر حرب النفط الحالية إلى أن منظمة "أوبك" فقدت دورها وتأثيرها القيادي المباشر على تحديد مستوى الإنتاج والتحكم بمستوى الأسعار، وإلى بروز روسيا من خارج "أوبك" كعامل مقرر على مستوى الإنتاج والأسعار الأمر الذي من شأنه التأثير تأثيراً مباشراً على مستقبل منظمة "أوبك"، ولعل أحد المؤشرات المهمة أيضاً أن الولايات المتحدة معنية بالضرورة بوقف حرب الأسعار والحد من الإنتاج لوقف نزيف إفلاس شركات النفط الأميركية، بعد أن أغلقت بنهاية الأسبوع الماضي 40 منصة إنتاج جديدة ليصل مجموع ما تم إغلاقه 426 منصة إنتاج، "الخليج أون لاين 2-4-2020".
أما أهم هذه المؤشرات فيتعلق بمستقبل منظمة "أوبك" نفسها، سايمون هاندرسون مدير سياسة الطاقة في معهد واشنطن، نقلت عنه "رويترز" أنّ البيت الأبيض ينظر في اقتراح يقوم على تحالف أميركي - سعودي لإدارة سوق النفط العالمية وأن وزير الخارجية بومبيو قد ناقش هذه الفكرة فعلاً مع وزير الطاقة الأميركي دان برو يليت ومستشار الأمن القومي الجديد روبرت أوبراين، فهل ستؤدي تداعيات وباء كورونا إلى نهاية منظمة "أوبك"؟!.