تتواصل الأيام والشهور في معظم أو كل دول العالم وهي منهمكة في محاولة محاصرة فيروس الكورونا في تحدٍ غير مسبوق في تاريخ إدارة أزمة وبائية منذ العام 1348 -1350 ، حين ضرب وبإء الطاعون الأسود أوروبا والذي إغتال أكثر من ثلث سكان العالم في حينها خاصة أن بعض العلماء الذين يرون في الأوبئة والحروب عامل مساعد على بقاء فرصة لحياة لآخرين من البشر. ما بعد سقوط الضحايا خوفا من الإنفجار السكاني الكبير الذي ستدفع البشرية خسائر أكبر عددا فيما لو تضاعف سكان الأرض أكثر وأكثر.
لا ندري ماذا فعلوا بالضبط حين ضرب الطاعون وقتل 20 مليون، حيث لم يكن الطب ولا وسائل الإتصال والتواصل والمواصلات متطورة كما هي الآن، حيث كانت الدول شبه معزولة عن بعضها البعض ولا يربطها إلا الماء واليابسة كالبحار والمحيطات عبر بعض السفن النادرة، واليابسة عبر الجمال والحمير والفيلة والسير على الأقدام. ولم تكن الطائرات والقطارات والسيارات قد دخلت الخدمة أو حتى قد إخترعت، ما سهل على البشرية في حينها من التقليل من تفاقم الإنتشار وسقوط الضحايا.
يمكن أن نتوقع كيفية العزل وووسائل التطهير والتعقيم البسيطة التي كانت في تلك الأيام، وما قللته من نسب لعدد بسيط للضحايا في تلك الحياة البسيطة.
الأهم في موضوعنا هو كيف عادت الحياة في تلك الدول والمدن؟ وبالتأكيد الإجابة ستكون تقلصت عدد الاصابات والوفيات بصورة متدرجة لأن الوباء يبدأ بالتراجع حتى لو قضى على مدن ودول بسبب العزل الطبيعي للحدود والمسافات، أما حياتنا في العصر الحديث فهي تختلف عما كان في أعوام 1350 فغالبية الدول قد أوقفت كل شيء يتحرك داخليا وخارجيا وجعلت من حصار الإصابة والعدوى هدفا لمنع الإنتشار، وبالمناسبة هذه هي الطريقة الناجعة والمتوفرة خاصة في وباء غير معروف علاجه ولا مطعومه وهي خطوة صحيحة، ولكن !!
تبقى تساؤلات في حالة وباء كورونا الذي مازال يضرب حياتنا وتتصاعد أعداد الضحايا:
تعالوا نحسبها
عدد الوفيات الذي قد يصل 100 ألف أو أكثر بنهاية هذا الشهر أي شهر نيسان، أي بعد 3 شهور على الإعلانوعنثالوباء منومنظمة الصحة العالمية، وهذا العدد ضئيل جدا مقارنة بوفايات الطاعون الأسود في أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر، رغم أن الفترة الزمنية التي أخذها الطاعون كانت 3 سنوات من الانتشار والضحايا والانحسار.
أي بمعنى لو إستمر هذا الوباء الكوروني الحالي لثلاث سنوات بهذا المعدل في الوفيات أي، كل 3 شهور يحدث 100000 وفاة، أي ما يساوي 400000 سنويا، أي في ثلاث سنوات قادمة سيكون عدد الوفيات 1200000 مليون ومائتي ألف وفاة.
وهذا العدد بالمطلق لن يصل لعدد الوفيات في وباء الطاعون السابق، أي بالتأكيد ما فعلته الدول في وقف كل شيء يتحرك داخليا وخارجيا قد نجح في تقليل عدد الضحايا حتى الآن، إضافة للوعي الصحي الكبير عن أيام القرن الرابع عشر والمدنية المتطورة في نوع السكن والتصريف الصحي والمياه النقية والتغذية المنشطةولمناعة الجسم، وتطور وسائل العزل والتطهير، وإنتشار وسائل الاعلام وفاعليتها وأشياء مهمة أخرى من التحضر والمدنية. .. ونعود للتساؤلات:
1- السؤال الأول
والأكبر أو التحدي الأكبر وهو من شقين الأول وهو هام جدا
- الشق الأول
هل يستمر الركود الإقتصادي االحالي بسبب الوباء دون إعادة قراءة المشهد ومآلاته والأثر الإقتصادي المتضاعف؟
- الشق الثاني
هو التحدي الأكبر في كيفية العودة للوضع الطبيعي لحياة الناس كما السابق وإنهاء العزل، وبالتدريج طبعا، رغم قلق يساور الجميع من إنتشار أكبر وضحاياوأكثر؟
وعليه هل لو بلد إنتهى فيها الوباء كالصين تستطيع ضمان عدم عودة الإنتشار بها لو حركت طائراتها والتواصل مع العالم كالسابق وجاءت إليها طائرات الآخرين مثلا. في حين لم تتوفر المطاعيم والعلاج بعد ولا يزال التهديدومستمرا في القادم من الأيام والأعوام.
2- السؤال الثاني
هل ستتعافى الدول في موعد متقارب لإمكانية السيطرة على المرض؟
ونحن نرى أن الصين مثلا تعافت في وقت ينتشر الفيروس في دول مثل أمريكا كالنار في الهشيم؟
ولكن الحياة ستظل متوقفة مادامت الدول الأخرى تنتشر فيها الإصابات.
والسؤال الهام هو
3- هل كانت فرضية مناعة القطيع أفضل؟
تعالوا نرى
بالمناسبة covid19 هو مرض سارس2، ومرض سارس 1 وهو من نفس السلسة الذيثضرب سابقا لم يخترع العلماء حتى الآن له مطعوما أو علاجا دقيقا، وهل ترك الوباء الحالي ينتشر. ليحث مناعة للقطيع المتبقي من البشر، كان سيحدث نفس الخسائر الآنية بالعزل مضافا لها خسائر السنوات المقبلة التي سيضرب فيها الفيروس من جديد مادام لا يوجد علاج أو تطعيم يقي من الإصابة والعدوى... وبالتالي يخسر العالم من العزل ومحاولة وقف إنتشار الوباء الخسائر الإقتصادية واستمرار تهديد الكورونا في الأعوام المقبلة وإيقاع إصابات وضحايا للسنوات القادمة، وهل من يدفع الضحايا الآن دفعة واحدة مهما كانت أعدادها ستكون حالته أفضل ممن سيدفع نفس الخسائر والضحايا البشرية بالتقسيط؟ مع الأخذ في الإعتبار طول مدة التهديد التي ستنعكس بشكل مضاعف على الإقتصاد.
هذا تحليل واقعي وليس عاطفي مع كل الاحترام لقيمة الإنسان واحترام وتحية وتقدير لغالبية الدول التي تحاول حماية مواطنيها بطريقة العزل المتوفر الوحيد لديها في هذه الجائحة المربكة للتفكير والحسابات، وهي محاولات تنحاز للإنسان وحماية حياته بعيدا عن التفكير المادي المجرد.. إلا أن العلم ليس فقط عاطفة بل وقائع تحسب في كل الإتجاهات.
وستبقى تتولد الأسئلة والبحث عن خيارات لصالح الإنسان مهما كانت بشاعتها.