تضج شبكة التواصل الاجتماعي في هذه الأيام العصيبة بالكثير من الطرائف والتعليقات الساخرة التي تنطوي على إبداعات فردية يمكن أن تخدم غرض الترويح، لكن هذه الشبكة أيضاً تضج بالتحليلات والتعليقات والشروحات والتوقعات المتضاربة جداً بشأن «كورونا» وبعضها من خبراء وأطباء وعلماء وأكثرها من قبل عامة الناس، بما يترك حالة من الارتباك وغياب اليقين ومعها تضيع المعرفة ويخلد الإنسان إلى القدر.
ثمة من قدم وصفاً شعبوياً طريفاً لخطورة هذا الوباء بالقول: «ساق الله على أمراض وأوبئة زمان، فلقد كان فيها بركة. حين ظهر انفلونزا الطيور شبع الناس من أكل اللحوم، وحين ظهر فيروس انفلونزا الخنازير شبعوا من أكل الدواجن، أما كورونا فإنها مكلفة حيث يتوجب توفير كمامات وأدوات ومواد تنظيف وتعقيم».
الإسلاميون أكثروا من التفسيرات الروحانية وبعضهم اعتبر «كورونا» من جند الله، وأنها عقاب للبشر بسبب انتشار الفسوق والابتعاد عن الدين، ولذلك فإنهم يكثرون من الدعاء ويغرقون شبكة التواصل الاجتماعي بأدعية يطالبون من تصل إليه أن يمررها إلى عشرات البشر سعياً وراء الثواب.
السياسيون وخبراء الاقتصاد كانوا أكثر حذراً وأكثر فوضى إزاء الآثار المترتبة على الجائحة، التي ستضع حداً للنظام العالمي السائد وتؤشر على الانتقال نحو نظام عالمي جديد لم تتضح بعد معالمه.
من بين عديد بل كثير النداءات والنصائح والتحليلات أدهشني بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت بالنداء الذي وجهه للبشرية ورغم اختصاره فإنه يشير إلى قضية مهمة.
النداء الذي اتخذ صفة عاجل موجه إلى قادة العالم للعمل معاً على مكافحة فيروس كورونا الجديد وضمان توزيع المعدات الوقائية والعلاجات الجديدة واللقاحات بشكل عادل.
ودعا في صحيفة ديلي تلغراف إلى نهح عالمي لمكافحة الفيروس، محذراً من تركه ينتشر في الدول النامية دون عوائق، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيزدهر ويتفشى ويضرب الدول الغنية في موجات متلاحقة.
والأهم من بين ما قاله إنه يتخوف من أن تسيطر «وطنية اللقاح الذي تسعى إليه دوائر كثيرة في العالم ما لم يتم التوصل الآن إلى اتفاقيات دولية حول كيفية توزيعه لأنه لا توجد دولة تعرف من سينتج اللقاح أولاً».
لابد أن غيتس قد لاحظ كما الكثيرون طغيان المسؤولية الوطنية لدى عديد الدول على المسؤولية الإنسانية الأممية في مواجهة وباء لا يعرف الحدود.
ثمة ما يقال في هذا الصدد بعد الشكاوى التي صدرت عن رؤساء حكومات تعاني بلدانهم من الانتشار السريع للوباء، وتشير إلى السياسات الأنانية التي يتبعها بعض الدول التي لم تمد يدها للمساعدة.
في الواقع ربما كانت هذه الإشارة مهمة من حيث إن العولمة والليبرالية الجديدة وما رافقها من استراتيجيات وتحالفات وآليات تتعرض للاهتزاز، ويفرض عليها الوباء التراجع نحو إعلاء مكانة الدولة القومية.
ظواهر كثيرة من المتوقع أن تشهد تغييراً جذرياً على مستوى السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يشمل العلاقات الدولية إلى السلوك الفردي وستظهر على نحو أكثر وضوحاً مدى بشاعة السياسات العنصرية والاستعمارية المتوحشة.
الاحتلال الإسرائيلي من بين الظواهر والكيانات السياسية التي يظهر عليها الطفح حتى يستفز الكاتب البريطاني ديفيد هيرست الذي كتب مقالاً يفضح فيه الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني بسبب سياسات الاحتلال وإجراءاته اللاإنسانية في زمن الـ»كورونا».
إن كانت الشواهد كثيرة في هذا السياق فإن أحدث فصولها الحوارات الجارية والجدية، متبوعةً بإجراءات لا تخفى على الجاهل وليس العارف فقط حول موعد وآليات الإعلان عن ضم منطقة الغور وشمال البحر الميت.
هذه الحمى التي تسيطر على تفكير نتنياهو وأطراف اليمين المتطرف تعتقد أن الفرصة ملائمة جداً، طالما أن العالم منشغل حتى أذنيه بملف كورونا، وتحسباً لضياع فرصة وجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية إذا لم ينجح في الانتخابات الرئاسية قبل نهاية هذا العام.
وربما يعتقد نتنياهو أن الإجراءات التي تتخذها السلطة الوطنية الفلسطينية في مواجهة «كورونا» واحتمال تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل سياسة التباعد الاجتماعي واستمرار ظاهرة الانقسام، ربما تساعد على ضبط ردود الفعل الجماهيرية.
وفي ضوء غياب كتلة سياسية وازنة يمكن أن تقف في وجه اليمين المتطرف إزاء موضوع الضم وغياب الجهد الدولي فإن نتنياهو سيكون قد حقق استثماراً تاريخياً للكارثة التي يحدثها «كورونا» حتى لو تطلب ذلك أن تدفع إسرائيل بعض الأثمان التي لا تقاس قيمتها مع قيمة الربح.
بالنسبة للفلسطينيين لم يعد ثمة فرق جوهري طالما أن الاحتلال موجود في كل الحالات، بصرف النظر رغم أهمية القانون الذي يفرضه، وطالما أن الشعب الفلسطيني موجود على أرضه، وأيضاً لما تفتقر إليه السياسة الاحتلالية من الشرعية الدولية، حتى لو حظيت بموافقة الولايات المتحدة.