أحبط الجنرال بيني غانتس، تطلعات المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق 48، نحو تحقيق خطوات تراكمية من الأمل على الطريق الطويل الصعب، والمتمثلة بالهدف المركزي للحظة السياسية الراهنة وهي إسقاط نتنياهو ومعه ومن خلاله، إسقاط هيمنة الأجنحة السياسية والدينية الأكثر تطرفاً لدى المجتمع العبري الإسرائيلي المعادي لحقوق طرفي الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه في منطقتي 48 و67، من نيل المساواة والاستقلال، إضافة إلى العداء نحو الشريحة الثالثة من الفلسطينيين وهم من اللاجئين الذين يمثلون نصف الشعب الفلسطيني من المشردين خارج وطنهم في مخيمات اللجوء والبؤس والفقر وحرمان حق الحياة الطبيعية، وحقهم في العودة إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع التي طردوا منها ورُحلوا عنها، مع تثبيت حقهم في استعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
وقع الفلسطينيون وكتلتهم البرلمانية القائمة المشتركة في حيرة سياسية ووطنية وأخلاقية صعبة قاسية على وعيهم وقناعاتهم: بين المتطرف نتنياهو كرمز للسياسات العنصرية العدوانية الاستعمارية المفرطة، وبين جرائم بيني غانتس وأياديه الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ووقاحته بالمباهاة بما فعل من قتل وتدمير وتجويع وحصار، ومع ذلك سجل قادة أحزاب القائمة العربية العبرية المشتركة وعياً يفوق الوجع، يتماثل مع تلك اللحظة السياسية التي قدمها اعضاء الكنيست النواب الفلسطينيين الخمسة عام 1992 حينما شكلوا رافعة داعمة إلى اسحق رابين في مواجهة اسحق شامير، واعتماداً على هذه السابقة، أعطوا التوصية إلى غانتس ضد نتنياهو من أجل تحقيق خطوات سياسية على غاية من الأهمية وهي:
أولاً الإطاحة بنتنياهو وفريقه المتطرف سياسياً ودينياً، عبر توظيف التعارضات القائمة بين الأحزاب الصهيونية وصراعات رموزها، وليس مفاضلة لشخص أو لحزب على اخر، بل لأنه الأقل سوءاً.
ثانياً كسر طوق العزلة المعششة في ذهن وعقلية وتراث وسلوك الأحزاب الصهيونية نحو المجتمع العربي الفلسطيني ورموزه السياسية وقياداته المنتخبة، خاصة بعد أن حققق هذا المجتمع نقلة نوعية في وحدة أحزابه يوم 22/1/2015، وفي نتائج الانتخابات يوم 2/3/2020 وحصولهم على 15 مقعداً في البرلمان، وارتفاع نسبة التصويت لديهم إلى ما يقارب 65 بالمئة.
ثالثاً تحقيق مكاسب معيشية لصالح مجتمعهم مهما بدت متواضعة، ولكنها تراكمية بهدف تحسين مستوى حياتهم وتضييق فجوة التمييز الحقوقي والخدماتي بينهم وبين المجتمع العبري الإسرائيلي.
فشل غانتس، وخيانته لأغلبية الإسرائيليين الذين صوتوا لشعار واحد وهو التخلص من الفاسد نتنياهو، وبدلاً من الالتزام بوعوده للناخبين بإنهاء نتنياهو سياسياً، والتعجيل بمحاكمته، وافق لأن يكون معه وشريكاً له وتحت إبطه في حكومة ائتلافية، وبذلك أحبط كل من راهن على إسقاط نتنياهو.
نتنياهو بدوره لم يكتف بنتائج الانقلاب لدى غانتس، بل عمل على فرض شروط عليه، وانتزاع مطالب منه، لم يستطع غانتس قبولها والرضوخ لها، وهذا ما كان يُخطط له نتنياهو كي تعود له توصية التكليف بتشكيل الحكومة المقبلة لصالحه، وهو ما يتمناه رئيس المستعمرة روفلين، لأنه ينتمي لحزب الليكود وأفكاره، ويتخذ الإجراءات التي توفر إلى نتنياهو البقاء والاستمرارية والحفاظ على موقعه في إدارة حكومة المستعمرة تحقيقاً لنهجهما السياسي وبرنامجهما المشترك.
زادت تعقيدات المواجهة أمام المجتمع العربي الفلسطيني، ولكن لا خيار أمام قياداته وأحزابه ونوابه سوى مواصلة النضال، ويتوهم من يرفض خياراتهم السياسية بالانتخابات، على أنها مخطئة، فالخطيئة تكمن في جرائم الاحتلال والعنصرية، مثلما تكمن في من يقبل الانتظار لعوامل قد تحضر أو لن تحضر لتغيير الوضع السائد.