هل يوجد مجتمع في العالم، ينتخب شخصاً مُتهماً رسمياً بثلاث قضايا فساد، ليست واحدة، كل منها سيكون حكمها السجن، ومع ذلك يتم انتخابه من الجمهور؟؟.
وهل يوجد بلد في العالم تقبل به قوى حزبية تدعي الوطنية والأخلاق والدين وتتحالف مع رئيس حزب متورط بالرشوة وسوء الأمانة؟؟.
وهل يوجد نظام في العالم، لديه متهم سياسي بقضايا فساد وينتظر المحاكمة، وهو في نفس الوقت من يتحكم بتركيبة هيئة القضاء التي ستتولى محاكمته، ويمتلك حق الاعتراض على تعيين قضاته؟؟.
هذا بالضبط فحوى الاتفاق المعقود بين حزبي الليكود وكحول لافان الإسرائيليين، بين نتنياهو وغانتس، حيث يحق لرئيس حكومة المستعمرة نتنياهو الاعتراض على تشكيل هيئة المحكمة وتركيبتها، وعليه لن يُزكي عضواً في عضويتها يقبل إصدار فتوى قضائية تقول بعدم توليه المنصب العام وهو متهم بقضايا فساد، ولذلك لن يقبل تعين قاضياً إلا من يسير باتجاه محاباته، فهل ثمة ما هو أسوأ من هذا الإنحدار الأخلاقي والمهني والسياسي الفاقع؟؟.
ويذهب عاموس هرئيل في مقال له نشرته هآرتس العبرية يوم 22/4/2020 إلى تحميل غانتس واشنكازي الثنائي اللذين يقودا حزب أزرق أبيض وسبق لهما أن توليا رئاسة أركان جيش المستعمرة في عهد حكومات نتنياهو المتعاقبة، يُحملهما المسؤولية على هذا الانحدار لأنهما قبلا إعطاء الشرعية لفاسد وتشكيل حكومة مع رئيسها المتورط بثلاث مخالفات جنائية خطيرة، وقبولهما إضعاف جهاز القضاء، وأكثر من هذا - كما يقول - تشكيل حكومة مبذرة مكونة من 30 وزيراً و16 نائب وزير برتبة وراتب وامتيازات وزير؟؟؟ والسبب الكامن وراء هذا العدد الكبير من الوزراء هو تقديم الرشوة الوظيفية والامتيازات لهم لقبول هذه النتيجة من الفساد المستشري في مفاصل مؤسسات المستعمرة وبُنيتها!!.
ومع الأسف الكثير من السياسيين والأنظمة في العالم لا يتذكر السبب الجوهري الكامن وراء هذا الفساد المستشري في بنية مؤسسات المستعمرة ودوافعها وسلوكها، وهو أنهم سرقوا وطن، وورثوا بلد، وسكنوا شقة مفروشة بعد أن طردوا نصف أهلها خارج ممتلكاتهم وباتوا مشردين في مخيمات اللجوء، ومن بقي منهم عاملوهم بدونيةٍ كالعبيد، وأنهم خدم في المعامل والمزارع مقابل عدم الطرد ولقمة العيش المغمسة بالقهر والتمييز والحرمان!!.
نعم المجتمع العبري الإسرائيلي ورث مكونات وحقوق وممتلكات المجتمع العربي الفلسطيني الذي تم طرد نصفه خارج وطنه، وحرمان نصفه الثاني من المساواة أسوة بالقادمين الأجانب الذين استولوا وورثوا ممتلكات الفلسطينيين وحقوقهم!!.
ومع ذلك لا يوجد بلد في العالم يحظى بما تتمتع به المستعمرة الإسرائيلية من حظوة ودعم وحماية، فهي تسرق حقوق شعب فلسطين بكامله، وتحتل أراضي ثلاثة شعوب عربية، ولديها الحصانة ضد المساءلة والإدانة والمحاكمة، بسبب الفيتو الأميركي الذي توفره واشنطن لها، وإذا صدر قرارات من قبل المؤسسات الدولية بسبب تصويت الأغلبية، فلا تجد هذه القرارات من ينفذها كما هو الحال مع قرارات: التقسيم وحل الدولتين 181، وحق اللاجئين بالعودة 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وخارطة الطريق 1515، وآخر قرار 2334 ضد الاستيطان والمستوطنين.
نظام عنصري استعماري فاسد نهايته الفشل والهزيمة، ولكن سبب استمراريته هو ضعف الطرف الفلسطيني الذي لا يجيد الاختيار والأدوات والوسائل والسياسات كما هو حاصل لدى نظامي السلطة في رام الله وغزة بكل مرارة.