صراحة لابد من الاعتراف بالقدرات الاستثنائية التي تنطوي عليها شخصية الملك أو الزعيم والساحر بنيامين نتنياهو. لاشك أن التاريخ قد يفرد له ثلاث صفحات. الصفحة الأولى للحديث عن إنجازاته الاستراتيجية في تحقيق تقدم كبير نحو تنفيذ المخططات الصهيونية كما وضعها الأوائل.
لا يقلل من أهمية هذه الإنجازات أي حديث تبريري حول الأوضاع المحيطة فلسطينياً أو عربياً أو دولياً. على خط مستقيم تحكمه إرادة قوية ورؤية واضحة يسير نتنياهو منذ أن فاز بتشكيل الحكومة عام 1996، فلقد نسف عملية السلام من أساسها وضاعف الاستيطان وساهم في تعميق الانقسام الفلسطيني واستثماره إلى أبعد الحدود، وهو في طريقه إلى مصادرة المزيد من الأرض والخروج بالمشروع الصهيوني إلى المحيط العربي.
يطول الحديث عن إنجازات نتنياهو ونجاحاته في تحقيق المشروع الصهيوني، الصفحة الثانية تتضمن قدرته على المراوغة والتضليل والخداع وإلحاق الهزيمة بالخصوم، حتى عاد بالليكود كأكبر حزب سياسي تقليدي بالرغم من الانشقاقات التي قادها زعماء كبار.
هذه القدرة مكنت نتنياهو من أن يسجل اسمه على رأس لائحة الزعماء الإسرائيليين الذين أمضوا فترات طويلة في موقع رئاسة الحكومة. هذه القدرة أيضاً مكنته من تجاوز ألغام كثيرة اعترضت طريقه وبدا وكأن كل منها على وشك الانفجار، إلى أن نجح في أن يفرض على الخصوم حقه في إدارة الحكومة الخامسة.
وبصراحة مرةً أخرى فإن الحديث يطول حول قدراته الخاصة في مجال العلاقات العامة وقدرته على حياكة المؤامرات وأيضاً على كشفها وتدفيع المخططين ثمن غبائهم. هو يكتسب إحدى أهم خصائص الزعماء العرب وهي التشبث بالسلطة بغض النظر عن الثمن وباستخدام كل وسيلة ممكنة للبقاء وكأنه مكلف من رب العالمين.
وهو قد عاصر أربعة رؤساء أميركيين، كلهم باستثناء ترامب أمضوا فترتين رئاسيتين ومارس على بعضهم فوقيةً سياسية وأرغمهم على الرضوخ لسياساته ورغباته.
الصفحة الثالثة لابد أن تتضمن بأن الرجل الاستثنائي وبطل المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني هو الذي رفع ذاتيته إلى مستوى يتجاوز المصالح القومية لأجل بقائه. فلتحصل انتخابات رئاسية ثانية وثالثة وحتى لو جرت المرة الرابعة والخامسة، فمن المنتظر أن تكون لصالحه. ولأجل بقاء نتنياهو فليذبح القضاء من الوريد إلى الوريد وليس أمامه إلا أن يدخل بيت الطاعة.
لا حاجة لانقلاب إن صمت القضاة واجتهدوا في البحث عن مخارج تنتهي بالاعتذار علنياً من نتنياهو والمجتمع على سوء الأداء وسوء نوايا البعض من الذين روجوا لفكرة اتهام الملك بالفساد. إذا كانت الأنظمة الديمقراطية تقوم على التفاعل بين ثلاث سلطات يفترض أن تتمتع بالاستقلالية، فإنه لا بأس بالتضحية باستقلالية القضاء وبإمكانية أن يلتحق بالسلطة التنفيذية التي تحتاجه لتبرير سياساتها الاستعمارية والعنصرية ضد الفلسطينيين.
لا بأس أيضاً إذا تم تقليم أظافر السلطة التشريعية والتحكم في مفاصلها ولجانها لمنع كل من تسول له نفسه أن يفكر مجرد التفكير بإلحاق ضرر برئيس الحكومة الذي لن يترك السلطة إلا للقبر. خلاصة هذه الصفحة أن ملك الإنجازات هو أيضاً الملك الذي يسجل بداية الحفر على حجر الأساس الذي انبنى عليه المشروع الصهيوني لاقتلاعه من الجذور، بعد أن ختم إسرائيل بهوية عنصرية وقوّض النظام الديمقراطي الذي تتباهى إسرائيل بكونه الواحة الخضراء الوحيدة في صحراء النظام الاستبدادي العربي.
ما جرى في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً الانتخابات الثالثة يفترض أن يدرس في أرقى الأكاديميات السياسية ومراكز البحث والدراسات. أسابيع قليلة فقط نجح خلالها في انتزاع الانتصار من منافسيه، بل وألحق الهزيمة بهم وأرغمهم على الالتحاق به وفق شروطه. وفيما تحاول كورونا أن تنجح فإن نتنياهو نجح حتى في تطويعها واستغلالها لصالحه