- شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
- إصابات بقصف الاحتلال مركبة في مدينة صور، جنوب لبنان
كتبت – ميرفت عبد القادر: "إن أجسادنا خارج فلسطين، وقلوبنا وعقولنا داخل فلسطين، نحن خرجنا مناضلين من أجل قضية عادلة وسنعود إلى فلسطين من أجل قضية عادلة، وسنحتفل بإذن الله بالنصر القريب بعودتنا إلى فلسطين"، بهذه الكلمات استذكر المبعد جهاد يوسف جعارة من مدينة الخليل، حادثة حصار كنيسة المهد والتي يصادف اليوم الذكرى الثامنة عشرة لها، إذ قامت قوات الاحتلال بإبعاد 39 مقاومًا، حوصروا في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، بعد حصار بدأ يوم الثاني من أبريل واستمر حتى العاشر من مايو لعام 2002.
بداية الحكاية
في مساء الأول من إبريل عام 2002، حاصرت قوات الاحتلال مجموعة مقاومين قرب كنيسة السريان بحي درج السوق في بيت لحم والتي تبعد 400 مترا تقريبا عن كنيسة المهد، لتمتد الاشتباكات بينهم سبع ساعات.
وصل المقاومون مسجد عمر عبد العزيز الذي يبعد 200 متر عن كنيسة المهد، وكانت المسافة بين المسجد والكنيسة مكشوفة لقناصي الاحتلال ومرور المقاومون منها بسلام أمرا مستحيلا، فكانت خطة المقاومين أن يبدأ الاشتباك مع قوات الاحتلال بالتناوب للتغطية على وصولهم للكنيسة دون وقوع إصابات في صفوفهم، وهو ما نجحوا فيه بالفعل.
حصار المهد
في الثاني من إبريل 2002، حاصر جيش الاحتلال قرابة 300 شخصا من المقاومين والمدنيين والرهبان داخل كنيسة المهد، ليمتد الحصار 39 يوما قطع فيها الاحتلال الماء والكهرباء وإمدادات الغذاء والدواء عن الكنيسة.
يقول رامي الكامل، أحد مبعدي كنيسة المهد، "كان في الكنيسة طعام بسيط يكفي 30 راهبا مدة أسبوع، واستهلكه المحاصرون في الكنيسة في الأيام الثلاثة الأولى، ثم بدأ جيران الكنيسة برمي الطعام لنا، وعندما شعر بهم الاحتلال أطبق الحصار بشكل كامل علينا، ليبدأ المحاصرون في أكل العشب وأوراق الشجر وشرب الماء المالح، فيما لم يكن يتوفر أي علاج لإسعاف أي شخص يصاب برصاص الاحتلال، ورغم صعوبة الحصار والبرد والجوع كانت معنوياتنا عالية، لم يكن أحد فينا يشعر بالخوف".
لم يكن هناك تناسب بين قوة الاحتلال التي تم دفعها إلى بيت لحم من دبابات وطائرات وجنود بلغ عددهم 25 ألف جندي، مع عدد المقاومين الذين لم يكن معهم سوى أسلحة بسيطة، كما أن تدمير الكنيسة على المحاصرين فيها أو اقتحامها هما الخياران الوحيدان اللذان يمكنا الاحتلال من القضاء على المقاومين المحاصرين، إلا أن الخيار الأول محال تنفيذه لقيمة الكنيسة عالميا، والخيار الثاني باء بالفشل بعد أن تكلل بمقتل أربعة جنود في محاولة اقتحامهم للكنيسة خلال الأسبوع الأول.
عيون المقاومين ما عادت تغفو، وبدأوا بترتيب مناوبات بينهم للسهر على حراسة الكنيسة والمدنيين فيها، في الوقت الذي شددت قوات الاحتلال خصارها على الكنيسة.
الشهيد الأول
لم يفرق رصاص الاحتلال بين المقاومين والمدنيين المحاصرين داخل الكنيسة، وأصبحت أسلحتهم المزودة بأشعة فوق بنفسجية تطلق النار على أي جسم يتحرك أمامهم، ليكون قارع أجراس الكنيسة أول شهيد يرتقي خلال الحصار.
الشهيد سمير وهو شاب بسيط معروف لكل مدينة بيت لحم، صعد ليقرع الأجراس بأمر من الرهبان، فأطلق عليه القناصة النار، لتصمت أجراس الكنيسة طيلة أيام الحصار، وحينها طالب الفاتيكان سلطات الاحتلال باحترام المواقع الدينية بما يتماشى مع التزاماتها الدولية واصفا ما جرى بالعمل الوحشي.
صرخة عرفات
في الوقت الذي تحتدم فيه الأمور في كنيسة المهد، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يتعرض لحصار مشدد في مقر المقاطعة في رام الله من قبل سلطات الاحتلال، ضمن ما يعرف بعملية السور الواقي.
دخل الصحفيون إلى مقر الرئيس عرفات، ليسألوه عن أوضاعه في ظل الحصار المحكم المفروض عليه، ليفاجأ الجميع قائلا، "لا أريد أن أتحدث عن الانفجارات والحرائق التي تحدث هنا فهي غير مهمة بالنسبة لي، الأهم عندي هو كنيسة المهد أقدس مكان مسيحي وما يجري بها من هؤلاء الإرهابيون العنصريون النازيون، كيف تريدونا أن نصمت على هذه الجريمة الشنعاء، حتى لو انفجرت الغرفة التي أتواجد بها هنا فهذا لا يهمني، الأهم عندي ما يحدث في كنيسة المهد، هذه جريمة والسكوت عليها جريمة، وأنتم كصحفيين لو صمتم عليها ستكونوا مشاركين في الجريمة، انشروا هذه الجريمة وأخبروا بها العالم أجمع".
بداية المفاوضات
مر حصار الكنيسة بمرحلتين، ما قبل وبعد المفاوضات، حيث تم التفاوض حول إخراج عدد من الجرحى وجثامين الشهداء، وتم إخراج جثمان الشهيدين خالد صيام وحسن نسمان، بعد التنسيق مع الارتباط المدني.
وطلب الرئيس العام للرهبانية الفرنسيسكانية جياكومو بيني، قوات الاحتلال السماح للفلسطينيين بمغادرة الكنيسة مع ضمان حماية حياتهم، فك الحصار عن الكنيسة، لكن حكومة الاحتلال رفضت هذه النداءات بعبارة "توقف عن إزعاجنا".
بدأت المفاوضات لإنهاء الحصار في مركز السلام، وتوسط المفاوضات رئيس أساقفة كانتربري في بيت لحم، كانون أندرو وايت، وكان المفاوض الإسرائيلي هو العقيد ليور لوتان، ، فيما عيّن الرئيس ياسر عرفات النائب صلاح التعمري رئيسًا لفريق التفاوض، والذي بدوره رفض مطالب الاحتلال بتسليم قائمة بأسماء المقاتلين.
في الرابع عشر من إبريل أعلن رئيس حكومة الاحتلال آنذاك، أرئيل شارون، أن على المحاصرين إما مواجهة المحاكمة في إسرائيل أو النفي الدائم، وهو اقتراح رفض من قبل المحاصرين.
اتصال عرفات
في العاشر من مايو، تلقى المقاومون اتصالا من الشهيد الخالد ياسر عرفات، وقال لهم، "أنتم القادة في ساحة المعركة، وأنتم من يقرر مصير المعركة، لكم أن تختاروا الاستشهاد أو الإبعاد أو الاستسلام"، ليختار المقاومون خيار الإبعاد لعامين ثم العودة إلى الوطن، وهو مالم يتم منذ 16 عاما.
بعد 39 يوما من الحصار، خرجتتم الإتفاق على إبعاد 13 محاصرا إلى الدول الأجنبية، و26 آخرين إلى قطاع غزة، وهو ما كان يرفضه المحاصرون في البداية، إلا أن تضييق الحصار عليهم وقطع الماء والغذاء وما واكبه من قلق وترقب أصابهم بالإجهاد والتعب وفقدوا الكثير من أوزانهم، ما أجبرهم على دراسة الخيار المطروح، وانتهى حصار المهد مخلفا ورائه 8 شهداء فلسطينيين وإصابة آخرين، إضافة إلى مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال.
لم نلتق بعد
حُرم المبعدون من لقاء أسرهم وذويهم قبل نفيهم، وعلى بعد أمتار قليلة من كنيسة المهد وقفت والدة فهمي كنعان أحد المحاصرين، غير قادرة على الوصول لنجلها وتوديعه قبل إبعاده، كانت تأتي وتقف كل يوم قبالة الكنيسة منتظرة خروجه ولكنها لم تلتق به حتى اليوم.
ولا زالت حكايا المبعدين من كنيسة المهد باقية، في كل عام يتجدد وجع الإبعاد والنفي عن الوطن الأم فلسطين، وبعد مرور 18 عاما لا تزال أجراس العودة تدق في قلوب المبعدين، لتبقي الحكاية حاضرة على جرائم المحتل في اذهان شعب سُجل تاريخه بمجازر المحتل المتعاقبة.