القاهرة - (شينخوا) - رغم إعلان الرئيس محمود عباس التحلل من جميع الاتفاقيات مع إسرائيل، فإن مراقبين يعتقدون أن وقف التنسيق الأمني كلياً بين الجانبين لا يزال أمراً مستبعداً، في ظل ما يحمله ذلك من مخاطر مواجهة شاملة.
وجاء إعلان الرئيس عباس رداً على المخطط الإسرائيلي المدعوم أمريكيا لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وبعد أشهر من رفض خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية، المعروفة باسم "صفقة القرن".
ويعتقد مراقبون أن إعلان الرئيس عباس، الذي أكد أن القرارات الجديدة ستشمل الالتزامات الأمنية، لم يُغلق الباب بعد وجعله موارباً، إذ لا يزال التنسيق الأمني مع إسرائيل مستمراً في الوقت الراهن.
ولم يصدر تعقيب رسمي من الحكومة الإسرائيلية على إعلان عباس، لكن وسائل إعلام اسرائيلية ذكرت أن قوات الأمن الفلسطينية قد تخفض مستوى التعامل مع نظيرتها في إسرائيل، ومن غير الممكن بعد تحديد أن التنسيق سيتوقف تماماً، نظراً لانعكاسات ذلك على الأوضاع الميدانية.
ويرى المراقبون، أن مواجهة شاملة وعودة لمربع التوتر ستكون نتيجة حتمية لخطوة وقف التنسيق الأمني، الذي يمثل أبرز مفاصل العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ويقول المحلل السياسي من رام الله، أحمد رفيق عوض، إن الرئيس عباس بخطابه الأخير لإعلان قرارات القيادة الفلسطينية، لم يغلق كافة الأبواب بوجه إسرائيل، بل ترك الباب موارباً، من أجل مفاوضات جدية بأسس وضمانات جديدة.
وقال عوض لوكالة أنباء (شينخوا)، إن إسرائيل "تنصلت منذ سنوات من اتفاق أوسلو، عبر تغولها على الأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وعدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية على الأرض".
ويضيف أن قرارات القيادة الفلسطينية بالتحلل من الاتفاقيات، تضع إسرائيل أمام معضلة المسئولية عن إدارة الأراضي الفلسطينية، ضمن سيطرتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويبرز عوض أنه "في ظل الإحباط الفلسطيني على كافة الأصعدة، قد تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً في المواجهات الشعبية، فيما يبقي الباب مفتوحاً لاحتمالات اندلاع انتفاضة جديدة ضد إسرائيل، خصوصا في حال غياب التنسيق الأمني".
ويُعد التنسيق الأمني أبرز تفاهمات اتفاق أوسلو الذي تأسست بموجبه السلطة الفلسطينية، ونص في حينه على أن من واجب الفلسطينيين محاربة "الإرهاب".
وبعد فشل مفاوضات "كامب ديفيد" عام 2000، انهار التنسيق الأمني كإحدى النتائج المباشرة للمواجهة الشاملة الفلسطينية الإسرائيلية التي رافقت اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية.
وتم استئناف هذا التنسيق بعد أن طرحت اللجنة الرباعية الدولية خطة "خارطة الطريق" للسلام في عام 2003، وعاد بمستويات مرتفعة ابتداء من عام 2007، حتى باتت الهجمات المسلحة الفلسطينية من الضفة الغربية تجاه أهداف إسرائيلية أمراً نادراً.
وأقرت إسرائيل في عدة مناسبات بتحسين غير مسبوق للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وقالت، إنه ساهم في استتباب الأمن.
ومع استمرار تعثر مساعي تحقيق السلام وتوقف المفاوضات السلمية منذ عام 2014، فإن وقف التنسيق الأمني ظل خياراً مطروحاً للتداول فلسطينياً في مواجهة إسرائيل.
ويقول مدير مؤسسة الدراسات الديمقراطية في رام الله جورج جقمان لـ "شينخوا"، إن إنهاء اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني يبقى ضمن السيناريوهات المحدودة التي تمتلكها السلطة الفلسطينية، خاصة أنها تحاول تصعيد المواجهة على المستوى الدولي.
ويشير جقمان إلى أن عباس ما زال يفتح الباب أمام الاسرائيليين، كي يتوصل الجانبان إلى اتفاق للسلام "لأنه يعي تماماً بأن اسرائيل لن تسمح بأن يتم حل السلطة الفلسطينية، أو حتى أن يتم وقف التنسيق الأمني".
ويشدد على أن وقف التنسيق الأمني "ليس بالأمر الهين بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وقد يعتبر رأس مالها وأساس وجودها، وهناك العديد من المعيقات تحول دون إنهاء الاتفاقيات، باعتبار أن فلسطين ترتبط سياسياً واقتصادياً بشكل شبه كامل مع إسرائيل".
ويرى جقمان أن "الحديث عن إنهاء كافة الاتفاقيات يعني حل السلطة الفلسطينية بشكل كامل، والذهاب لخيارات بعيدة عن حل الدولتين، مثل اعتماد حل الدولة الفلسطينية الواحدة".
وأوردت صحيفة "هآرتس" العبرية نقلا عن مصادر فلسطينية قولها، أن التنسيق الأمني مع إسرائيل "ما زال مستمراً "وأن تأكيد عباس الإلتزام بمحاربة الإرهاب، دليل على عدم إغلاق أبواب التعاون مع إسرائيل".
كما نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، بأن عباس لم يُصدر قرارات فعلية لقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بوقف التنسيق نهائيا مع الإسرائيليين، بل تقليصه.
وسبق أن رفض عباس مطالبات متكررة لفصائل فلسطينية منذ عدة سنوات بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، واعتبره "مصلحة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني معاً".
ويعتبر المؤيدون لاستمرار التنسيق الأمني والالتزامات الفلسطينية تجاه اتفاق أوسلو، أن وقفها بشكل أحادي من الجانب الفلسطيني سيتيح لإسرائيل تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام.
وإلى جانب تبادل المعلومات الخاصة بالأمن، فإن السلطة الفلسطينية تبقي في حاجة للإبقاء على اتصال مع إسرائيل بشأن تأمين الأمور الحياتية، بالنظر إلى السيطرة الإسرائيلية على المعابر الفلسطينية.
وجاء الإعلان الفلسطيني عن إنهاء الاتفاقيات مع إسرائيل رداً على خطط الحكومة الإسرائيلية الجديدة ضم أجزاء من الضفة الغربية تشمل منطقة الأغوار والمستوطنات، الأمر الذي يعتبره الفلسطينيون تقويضاً نهائياً لفرص إقامة دولة مستقلة لهم.
ويقول مدير مركز "مسارات للأبحاث والدراسات" في رام الله، هاني المصري، إن السلطة الفلسطينية ستفقد مبرر وجودها في حال جرى تنفيذ مخطط الضم الإسرائيلي، وهو العمل لإنهاء الإحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية.