ثائر نوفل أبو عطيوي: بات من الواضح، أن المزاج العام للشارع التركي وأحزابه السياسية المختلفة، وخصوصاً حزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه "أردوغان" لم يعد يحتمل السياسة الأردوغانية التي أوشكت على الإطاحة بالسياسة التركية واقتصادها الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من حافية الانهيار.
وقال الباحث المتخصص في العلاقات الدولية أيمن سمير، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، إن النزوح الجماعي لنواب العدالة والتنمية الذي يتزعمه حالكم تركيا سواءً باتجاه حزب "ديفا" الذي يتزعمه علي باباجان، أو حزب "المستقبل" الذي يقوده رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، كان متوقعاً لأن أردوغان أنهى الفكرة المؤسسية للحزب، وحول الحزب الحاكم لخدمة أهداف وأعراض أردوغان الشخصية دون الاستماع لنصائح الآخرين، الأمر الذي دفع أحمد داوود أغلو بالقول إن تركيا تسير نحو "الفاشية المظلمة".
وأضاف سمير، أن كل المؤشرات تشير إلى المغامرات الخارجية لأردوغان في سوريا والعراق وليبيا وقبرص، وفرض ستار حديدي على الداخل التركي، ودخول تركيا في ركود اقتصادي مرتين على التوالي في ثلاث سنوات، الذي دفع الكثيرين للقفز من سفينة أردوغان، ومنهم الرئيس التركي السابق عبد الله غول، وهذا ما يؤكد تآكل القاعدة الشعبية الداعمة لأردوغان منذ 2002، والتحاقها بأحزاب أخرى، بما فيها المعارضة.
وأوضح الباحث، أن حاكم تركيا يسير في نفس المسار الذي سار فيه أستاذه نجم الدين أربكان، الذي أدت سياساته إلى اقتراب تركيا من الإفلاس، وهو السبب الذي قاد لسلسلة من الانشقاقات في الأحزاب التي أسسها "أربكان" بداية من حزب "السلام الوطني" و"الفضيلة" مروراً بحزب "الرفاه"، فكل المؤشرات تقول إن الاستعدادات على قدم وساق بين فروع حزب العدالة والتنمية للانضمام لأحزاب "أحمد داود أوغلو وعلي باباجان"، وهو الأمر الذي دفع أردوغان لتهديدهم علانيةً بأنهم سيدفعون ثمن الخروج من الحزب.
وأشار، إلى أن استطلاعات الرأي العام تظهر أن حزب العدالة والتنمية سيخسر الأغلبية في أول انتخابات رئاسية أو برلمانية سيتم تنظيمها، هذا ليس فقط لانصراف القاعدة الانتخابية عن أردوغان، بل لأن حليفه في الحكم "الحزب القومي" برئاسة دولت بهجلي يعاني من الانشقاقات والتفكك أيضاً، وهو الأمر الذي يضع أردوغان في سباق مع الزمن من أجل ترميم قاعدته الانتخابية، ولكن كل المؤشرات على أرض الواقع توضح أنه قد فات الأوان.
وأشار سمير، إلى بدء تآكل شعبية أردوغان منذ منتصف يوليو/تموز 2016 ، بسبب عدة عوامل من أهمها اعتقال الآلاف من الشرطة والجيش والقضاة والموظفين والصحفيين بمن فيهم عدد كبير من النساء، وهو ما جعل من تركيا سجناً كبيرًا، وفق تقرير المحكمة الأوروبية.
واستطرد قائلاً، إن الانتخابات البلدية التركية الأخيرة، والتي فازت بها أحزاب المعارضة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير وديار بكر وأضنة، خير دليل على تراجع شعبية أردوغان، والأرقام تؤكد أن شعبية أردوغان تتراجع يومًا بعد يوم، فعندما جرت الانتخابات البلدية في إسطنبول في 31 مارس/آذار 2019 فاز أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة على مرشح حزب العدالة والتنمية بفارق 13 ألف صوت، وعندما رفض أردوغان هذه النتيجة، وأعيدت الانتخابات بعدها بثلاثة شهور، عاد أكرم أوغلو مرة أخرى ليفوز بفارق بـ800 ألف صوت.
ولفت الباحث المتخصص في الشؤون الدولية، إلى أن ما يؤلم أردوغان هو حصول عمدة إسطنبول على ضعف الأصوات التي حصل عليها هو نفسه في انتخابات 1992، وهذه النتائج تعتبر امتداداً طبيعياً لنتائج الانتخابات التي جرت منذ 2016، فحاكم تركيا مرر التعديلات التي حولت النظام السياسي من برلماني إلى نظام رئاسي خالص بفارق ضئيل، وتحدثت المعارضة عن تزوير الانتخابات ، ووضع أكثر من مليون صوت لترجيح موقف أردوغان، كما أن الانتخابات التشريعية التي جرت في 2018 حصل فيها أردوغان على أقل نسبة منذ وصوله للحكم عام 2002، واتُهم أحمد داوود أوغلو، وعبد الله غول وعلي باباجان وغيرهم بخيانة أردوغان لتوجهات حزب العدالة والتنمية من حزب مركزي يحتضن جميع أطياف الشعب إلى حزب يتحالف مع القوميين، ويمارس الاستعلاء والغطرسة والإقصاء حتى على قياداته التي عملت معه وساعدته لفترات طويلة.
وقال، إن شعورا عاما في تركيا مفاده أن البلاد قد تدخل مرحلة الإفلاس قريبا بسبب أزمة الديون التي تزيد على 490 مليار دولار، وأن تركيا تعاني من انهيار حقيقي في الاقتصاد وفق تقرير المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، حيث أشار إلى ظاهرة "الهجرة العكسية" للاستثمارات الأوروبية من تركيا لخارجها، وفقدت الليرة حوالي 39% من قيمتها عام 2019، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم لمستويات لم تعرفها تركيا من قبل، وهو ما دفع أردوغان للهروب للأمام من خلال المغامرات الخارجية في شرق المتوسط وشمال سوريا والعراق ولييببا.
وأشاد خبير العلاقات الدولية، بشجاعة المعارضة وخاصة عمدة إسطنبول أكرم إمام أغلو الذي فاز في آخر استطلاع للرأي العام ، الذى جرى في فبراير الماضي بنسبة 73 %، بينما حصل "أردوغان" على 27 % فقط، وهو ما دفع أردوغان لمحاولة إفشال جهود البلديات التي تحكمها المعارضة أثناء جائحة كورونا.
واختتم سمير، تصريحاته بالقول، إن بداية النهاية للمشروع "الأردوغاني" قد بدأت تتحقق، بسبب الخداع السياسي واللعب على التناقضات، وإن تركيا بدأت تختار طريقاً جديداً بعيداً عن التوترات ودعم الجماعات الإرهابية المتطرفة.