مع اقتراب التاريخ الذي حدده نتنياهو في الاول من يوليو المقبل لتقديم مشروع ضم المستوطنات و فرض السيادة الاسرائيلية على اجزاء من الضفة الغربية يزداد الجدل الداخلي الاسرائيلي حول جدية نتنياهو من عدمها بالاقدام على هذه الخطوة التي من المتوقع ان تشكل نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة في الصراع الدائر منذ ما يزيد عن مئة و عشرين عاما.
نتنياهو الايديولوجي بفكره اليميني القومي و الذي لا يؤمن بحل الدولتين ، يؤمن ان هذه البلاد من نهرها الى بحرها هي لليهود فقط وان الفلسطينيين لا حقوق سياسية او سيادية على هذه الارض ، و اقصى ما يمكن منحه لهم هو ادارة شؤونهم الذاتية دون سيادة على الرض او الحدود او الامن . مع الاخذ بعين الاعتبار الانحناء امام العواصف السياسية التي تحتاج الى بعض المرونة في التكتيك كما فعل في التعاطي مع اوسلو حيث اضطر الى تطبيق اتفاق الخليل عام ١٩٩٦.
مؤسس هذا الفكر اليمني القومي زئيف جابوتنسكي الذي يعتبر الاب الروحي لنتنياهو و قيادات الليكود كتب مقالة في العام ١٩٢٣ بعنوان( الجدار الحديدي- نحن و العرب)
جابوتنسكي و في اطار خلافاته و انتقاداته لقيادة الحركة الصهيونية بزعامة حايم وايزمان في حينه حدد رؤيته و التي شكلت دستورا لليمين القومي منذ ذلك الحين و حتى يومنا هذا.
خلاصة ما كتبه جابوتنسكي في هذه المقالة انه لا يمكن التوصل لسلام مع الفلسطينيين و لا يمكن تحت اي ظرف من الظروف ان يقبل الفلسطينيين بمنحنا او سيطرتنا على اي جزء من البلاد لذلك فقط بفضل القوة المحصنة يجب ان نبني جدارا حديدا لا يمكن للعرب اقتحامه، حينها نستطيع ان نفرض ما نريد من شروط .
جابوتنسكي الذي انشق عن الحركة الصهيونية و اسس في العام ١٩٢٥ التيار الاصلاحي او حركة ( المراجعة) اختلف مع الحركة الصهيونية في اربع قضايا رئيسية، اولا فلسطين من النهر الى البحر هي حدود الدولة اليهودية التي يجب ان تقام و ليس على اي شبر يتم السيطرة علية . و ثانيا بريطانيا هي عدو و لا يمكن الوثوق بها و يجب محاربة الانتداب البريطاني . و ثالثا يجب الاعتماد على انفسنا اولا و اخيرا في تحقيق مشروعنا الاستيطاني و يجب ان لا نعتمد على المجتمع الدولي ، لذلك يجب اقامة جيش عبري قوي قادر على تحقيق هذا الهدف. و رابعا يجب عدم طمس تحديد طبيعة العلاقة مع السكان الاصليين ( الفلسطينيين) حيث بعد ان نقيم الجدار الحديدي الذي لا يمكنهم اختراقه نمنحهم حقوق مدنية ، اي ما يسمى بلغة اليوم حكما ذاتيا.
نتنياهو الايديولوجي الذي يدرك ان هناك فرصة تاريخية بالتقدم خطوة اخرى نحو تحقيق احلام جابوتنسكي و قيادات اليمين لن يسمح لنفسه بإضاعة هذه الفرصة، سيما في ظل وجود رئيس امريكي مؤيد وداعم للضم و الاستيطان قد لا يتكرر مثله في البيت الابيض الذي تحول الى بيت للمستوطنين.
كذلك لن يكون هناك ظرف سياسي مناسب افضل من هذا الظرف حيث انشغال العالم في مشاكله الداخلية و الازمات الاقتصادية و الصراعات الاقليمية التي تصدرت المشهد على حساب الصراع العربي الاسرائيلي، و الاهم من ذلك هو حالة الضعف الفلسطينية و تشتت صفوفهم الداخلية التي تصل الى حد الضياع.
على الرغم من ذلك ، هناك من يعتقد ان نتنياهو لن يقدم على خطوة الضم في مطلع الشهر القادم ، على الاقل دون ضوء اخضر واضح من الرئيس الامريكي ترامب، و التقدير هنا ان ترامب لن يقدم على هذه الخطوة الا اذا اعتقد انها ستخدمه في سباق انتخابات الرئاسة الامريكية.
ما هو اكيد وفقا لتقديرات بعض السياسيين الاسرائيليين ، خاصة المعارضين لسياسة نتنياهو هو ان نتنياهو كاذب و هو فقط معني بأن يبقى الجدل حول الضم متصدرا المشهد .
زعيم المعارضة يئير لبيد قال ان من الافضل لنتنياهو ان يستمر الحديث حول موضوع الضم افضل من ان يكون الحديث عن محاكمتة بتهم الفساد او الحديث عن الوضع الاقتصادي المتدهور نتيجة الكورونا.
اما ليبرمان قال ان نتنياهو كذاب، و هو لن يقدم على خطوة الضم حيث قارن بين بيغن و نتنياهو ، قال ان بيغن عندما اقدم على ضم الجولان لم يتحدث كثيرا و لم ينتظر موافقة احد و خلال اقل من اربعة و عشرين ساعة كان قانون الجولان مُقّر بالقراة الاولى و الثانية و الثالثة.
على اية حال، في اسرائيل هناك الكثير من الاسئلة و القليل من الاجابات، جزء من هذه الاسئلة التي لا يوجد اجابات عليها ، على سبيل المثال:
في حال اقدام نتنياهو على تقديم مشروع الضم للكنيست بعد ثلاث اسابيع من الان كيف ستكون ردود الفعل الفلسطينية و العربية و الدولية؟
المؤيدون للضم يقولون لن يحدث اي شيء خطير و العالم مشغول في مشاكله الاقتصادية و الداخلية و سيمر الامر كما مر مشروع نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس قبل عامين و كل التخوفات من رد فعل فلسطيني و اقليمي و دولي اتضح انها وهمية و قد تعايش الجميع مع هذا الامر.
المعارضون يقولون ان ضم اجزاء من الضفة الغربية سيكون له تداعيات خطيرة على الوضع الامني مع الفلسطينيين و سيشكل خطورة كبيرة على العلاقة مع الدول العربية ، خاصة العلاقة مع الاردن، و ان السلطة الفلسطينية التي اقدمت على وقف التعامل بالاتفاقات الموقعه مع اسرائيل لن تكون قادرة على تحمل اعباء هذا القرار وقد يؤدي الى انهياراها وانهيار الوضع الامني القائم منذ سنوات.
والسؤال الثاني اذا ما قرر نتنياهو طرح القانون ، هل سيكون على كل المستوطنات و الاراضي التي تم الاتفاق عليها مع الامريكان وفق خطة ترامب بما فيها الاغوار و أجزاء من مناطق سي، ام ربما نتنياهو سيقدم على عملية ضم مصغره تشمل تطبيق القانون الاسرائيلي على الكتل الاستيطانية او حتى جزء من هذه الكتل لضمان مشروع الضم قائما و في نفس الوقت لقياس رد الفعل الفلسطيني و الاقليمي و الدولي.
في كل الاحوال، سواء تصرف نتنياهو وفقا للبعد الايديولوجي او فقا للبعد السياسي، حفاظا على منصبه ( الكرسيولوجيا) ، فأن من مصلحته ان يتصدر الحديث عن الضم
و ما يحيطه من جدل في الاشهر القليلة القادمة.