وهما مثلين، كناية عمّا نعيشه من مأساة، ويحيط بنا من مشاكل، وما يواجهنا من مأزق، لكن، فكي كماشة كانت أخف وقعا من شقي الرحى، فالوقوع بين فكي الكماشة، هي مرحلة للحصار، وشل الحركة، وإطباق على الرقبة ما قبل الموت، أما الوقوع بين شقي الرحى، أي الحجرين المستديرين للطاحونة، فهو الطحن، والشروع في الموت.
على كلا سواء هذه أو تلك، أو ، تتابعهما في إرتفاع حدة السوء والخطر ، على الوضع الفلسطيني، فالوضع الفلسطيني يكاد يكون أصعب بكثير، حتى من وقوعه بين فكي كماشة، أو، سقوطه بين شقي رحى الطاحونة، بالمعنى المجازي وبالمعنى الملموسِ.
بإختصار ودون التوسع في إعادة الشرح، لتشخيص الواقع الفلسطيني، المشخص أصلا، فنحن، وصلنا، أو، أصبحنا أمام ثلاثة حقائق، نظرياً، وواقعاً ملموساً، على الأرض:
الأول:
المشروع الصهيوني، مكاسبه، أو، إنتصاراته على الأرض، واضحة، وموجعة، هذا المشروع. "ديمومته وقوته مرتكزة" على الولايات المتحدة، ومعها الغرب الإستعماري الصهيوني.
الثاني: المشروع الوطني الفلسطيني، أي منظمة التحرير الفلسطينية، مكاسبها في أوسلو، وقيام السلطة على غزة والضفة الغربية، خسائرها، أو، هزائمها على الأرض، وتوسع الاستيطان، والقدس، والضم الآتي، المنظمة "ديمومتها وقوتها مرتكزة" على شعبها، وحقوقه، وحراكه، ومعها غالبية العرب، وبعض قوى التحرر العالمي.
الثالث: المشروع الإخواني، مكاسبه، وإنتصاراته في الظفر بأرض، وحكم قطاع غزة عبر حماس، أو تقدمه مرة، وتراجعه مرة على الأرض العربية، لكنه مازال فاعلا، ويعمل في كل إتجاه لكسب المزيد، " ديمومته وقوته مرتكزة" على اتساع تواجد الحركة في ثمانين دولة إسلامية، ومعها بالباع والذراع، قطر وتركيا، وغالبية إسلامية، حتى في شقها الشيعي، ممتلا في إيران، والأهم، تمكنها، أي، حماس، أي، الإخوان المسلمين من قطاع غزة/ نصف الوطن.
الحقيقة أن المشاريع الثلاثة تتحكم بها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، وليس منها مشروعا واحداً مستقلا، بتفاوت علاقة متقدمة هنا، أو، متقدمة أكثر، هناك، أو، حتى إلى حد ما، إحتواءاً وإدارةً، وتهيأةً، لتمكين من يقبل، ما يتفاهم عليه الكبار.
تأخر وضع منظمة التحرير بين فكي الرحى، ولكنها وضعت بين فكي كماشة، وشلت حركتها، بعد إستجلابها، وإستحلابها بمشروع أوسلو، الذي إنتهى إلى مرحلته الأولى، فكان، تمريناً وتدريباً وتحضيراً لمرحلة وضع منظمة التحرير بين شقي الرحى ، إما القبول بمشروع ترامب، أو، طحنها، بعد سلبها ما يمكنها من مقاومة ذلك، وكان لهم ذلك.
الآن الصورة أكثر وضوحا، وكل ما نذكره بفعل فاعل، إنقسام، لا مصالحة، ولا إمكانية لإتفاق للتوحد على إستراتيجية جامعة لمواجهة الصفقة، فقر، وبطالة، وضيق إقتصادي، وحصار، وتشرذم فلسطيني غير معهود، شلل في الحياة السياسية، غياب مؤسسة تشريعية، ضعف مرجعية تمثيلية كانت توحد الفلسطينيين بعد حل المجلس التشريعي وإنقسام فتحاوي، وخلاف وطني على تشكيل المجلس الوطني الأخير، وقرب أفول، أو، إنتهاء مفعول رئيس، فقد كل حوامله التنظيمية، والتشريعية، وأزمةوخلافته، وغياب عملية إنتخابية تشريعية ورئاسية منذ سنوات عدة، وأزمات إقتصادية متلاحقة تمثلت في تفكيك صلابة الأجهزة الأمنية، بالتقاعد، أو، قطع الرواتب، وتراجعا عربيا غير مسبوق، وتحسن علاقات العرب مع إسرائيل الضاغطة على منظمة التحرير، والعامل الأهم هو فشل مشروع منظمة التحرير السلامي مع إسرائيل، وما يترتب عليه من مضاعفات.
الآن إما الموافقة على صفقة ترامب، أو، رفضها، بالموافقة منظمة التحرير. تصبح تخون الشعب وقضيته، وبالرفض الحادث آنياً، هناك بدائل، أو بديل جاهز، هيأته قطر، وتركيا، بتكليف من بريطانيا، والولايات المتحدة، وليس مطلوبا فيه خيانة القضية، والشعب، فهم أذكى من ذلك في مؤامراتهم، وليسوا كما في وضع منظمة التحرير، بل هم جاهزون ليسدوا الفراغ الحادث من طحن منظمة التحرير، كما هيئوا البيئة لذلك، ومن يملأ هذا الفراغ؟ سؤال واضح الإحابة.
لا يوجد حزب يملأ هذا الفراغ، وقادر ،وراغب مبكرا، في إزاحة منظمة التحرير، إلا، حماس، وبأمر جماعة الإخوان المسلمين، لتسجيل إنتصارا جديدا لهم، يمكن دعمه من قوى أصبحت متنفذة، وفتاوي جاهزة، أي، أن منظمة التحرير، إما أن تصبح عميلة، أو، خائنة، أو ، ترحل من المشهد، وأمامها خيارين أحلاهما مر، وصور يا مصوراتي !!!!
لا أحد سيتحرك في إتجاه محاربة، أو، مواجهة الصفقة بالشكل المطلوب، وكل ينتظر سقوط الآخر إذا تورط في المجابهة مع إسرائيل، وكلو ظابس، وعامل حاله مش شايف، وبيحلف فقط طلاقات، وعيونهم جميعا على صفقة ترامب، والحكم، وخايفين من الحَبَل، ومنظمة التحرير على المحك. فإما قبول الحَمْل المخيف، من عشائرها، وإما القتل على خلفية الشرف، ولذلك هي بحاجة لتشريع جديد ... فمن يشرع؟؟؟؟!!!