بعدما انكسرت خطط إسقاط النظام السوري بالأدوات العسكرية والمعارضة المسلحة، وفشل كل الوسائل لتمزيق النظام، حيث حافظت المؤسسات العسكرية والأمنية والحكومية والحزب الحاكم على تماسكها وبدت انقساماتها باهتة، وصمد النظام في مواجهة خصومه طوال سنوات الربيع العربي، وحقق ما لم تفلح في تحقيقه الأنظمة المماثلة في العراق وليبيا واليمن ومن قبلهم في الصومال، في منع تدمير الدولة وإنهاء تماسكها.
في ظل هذه المعطيات المادية التي تمت بدعم روسي وايراني، وفي مواجهتها تقدم الكونغرس الأميركي وصاغ قانون قيصر المدني الذي يفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ومدنية قاسية على سوريا وعلى كل الأطراف المساندة لها: دول ومؤسسات وأفراد، وينقل عناوين الصراع من الحرب العسكرية إلى الحرب الاقتصادية، والرهان على الحصار الاقتصادي لإخضاع النظام والدولة السورية للإرادة الأميركية الإسرائيلية.
بكل وضوح وصراحة ووقاحة، بعد فشلهم في تغيير الوضع في سوريا بالأدوات العسكرية والمعارضة المسلحة سيعملون على تغيير النظام بالأدوات الاقتصادية ومحاصرة السوريين وتجويعهم كي يثوروا على النظام، وهذا مستبعد بسبب غياب القدرة والتنظيم وفقدان خيارات التعددية والديمقراطية لدى السوريين ولدى النظام، ولذلك سيقتصر الرهان على محاولة إضعاف النظام عبر الضغوط الاقتصادية والحصار السياسي لزيادة متاعبه بعد سنوات طويلة من الحروب البينية وصموده وتماسكه العسكري والأمني والإداري والحزبي، في مواجهة مخططات أميركا والمستعمرة وأوروبا وبعض الأطراف الإقليمية.
تدخلات الولايات المتحدة وأوروبا وأطراف إقليمية بتقديم الدعم العسكري والمالي والتسهيلات الجغرافية للمعارضة المسلحة، والاعتداء شبه اليومي لقوات الاحتلال الإسرائيلي وتطاولها على السيادة السورية والقصف الانتقائي للمؤسسات لم تفلح في دعم المعارضة المسلحة نحو النجاح والانتصار على النظام وقواته، بل بالعكس أخفقت المعارضة المسلحة وتحولت سوريا كما العراق وليبيا واليمن والصومال لتكون ساحة من ساحات العمل الإرهابي والتطرف السياسي والخذلان القومي، وحصيلة ذلك لصالح العدو الوطني والقومي والديني الإسرائيلي الذي يحتل أراضي الجولان السورية، وتقدم لضمها رسمياً إلى خارطة المستعمرة الإسرائيلية وإعلان الرئيس ترامب بتاريخ 25/3/2019 على موافقته واعترافه بعملية الضم والتوسع للمستعمرة لتشمل الجولان.
حجة الولايات المتحدة أن النظام السوري لا يستجيب للقرارات الدولية، ولم يذعن لشروط المصالحة، ولم يحترم إرادة الشعب السوري، حجج منطقية إذا كانت صحيحة، ولكن المراقب يجد نفسه غير متفق مع النتائج الأميركية سواء لدى الإدارة أو الكونغرس حينما يرى أن سياسات الولايات المتحدة نحو سوريا لا تتفق مع سياساتها نحو المستعمرة الإسرائيلية التي تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وتتطاول على حقوق الشعب الفلسطيني، وتتعارض إجراءاتها مع قرارات الأمم المتحدة، وهي ترتكب الموبقات والجرائم اليومية بحق مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة: 1- التمييز والعنصرية نحو فلسطينيي مناطق 48، 2- الاحتلال والحكم العسكري والانتهاكات الفظة بحق فلسطينيي مناطق 67، 3- رفض عودة اللاجئين الفقراء إلى بلدهم واستعادة ممتلكاتهم المصادرة في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع.
جرائم ترتكبها مؤسسات المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لا حس ولا خبر ولا توبيخ ولا قرصة أُذن لنتنياهو ومليشيات المستوطنين، بل يتم تقديم الدعم الأميركي للمستعمرة والإسناد السياسي والغطاء الدبلوماسي مما يمكنها مواصلة عدوانها وحربها وتطاولها على حقوق ومقومات ومقدسات الشعب الفلسطيني الإسلامية والمسيحية.
شكل التعامل الأميركي مع المستعمرة الإسرائيلية يفضح التعامل الأميركي مع سوريا مما يفقد قانون قيصر مبرراته ويفضح أهدافه الحقيقية، خاصة بعدما حقق قيصر آخر مع نظام صدام حسين الراحل، خراب العراق وتدميره لصالح العدو الإسرائيلي.