متابعات: أكد الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور أيمن سمير، اليوم السبت، أن "هناك من يرى أن رد الفعل الأوروبي على الانتهاكات التركية الصارخة بحق الشعب الليبي واحتلال أراضيه مازال دون المتوقع، وأن تعاطي بروكسل مع الاستفزازات التركية بحق قبرص واليونان وهما عضوان في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تفتقر للأنياب، وهو ما شجع تركيا على اتخاذ خطوات جديدة أحدثها الإعلان عن بناء قاعدتين عسكريتين في الوطية ومصراتة، فهل فعلاً يتحاشى الاتحاد الأوروبي غضب الرئيس التركي؟ وماذا عن العقوبات الأوربية ضد أنقرة؟ وهل يمكن التعويل على موقف ألماني إيطالي جديد يلجم أردوغان وميلشياته في المنطقة ؟".
وأضاف سمير، في مقال له نشرته "الكوفية"، "المعروف عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي أنها تتخذ القرارات بشكل بطىء وهذا يعود إلى أنه يتكون من 27 دولة و500 مليون نسمة، ولهذا اتخاذ القرار يبدو للناظر من بعيد أنه يتأخر عن مواكبة الإستفزازات التركية، لكن حقيقة الأمر غير ذلك فالاتحاد الأوربي اليوم أكثر من أي وقت مضى مستعد لاتخاذ إجراءات عقابية ضد أردوغان، وبالفعل وافق البرلمان الأوربي ثم وزراء خارجية الاتحاد الأوربي على سلسلة من العقوبات أبرزها وقف كل الامتيازات التي كانت تحصل عليها تركيا باعتبارها دولة مرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي، كما أن لجنة العلاقات الدولية في البرلمان الأوربي اقترحت في اجتماعها الأخير شطب ترشح تركيا بشكل نهائي لدخول الاتحاد الأوروبي، وأصدرت مؤسسات الاتحاد الأوروبي تعليمات واضحة للبنك المركزي الأوروبي بوقف منح أي تسهيلات ائتمانية أو قروض للبنوك التركية، ناهيك عن وقف بعض خطوط طيران الشارتر الأوروبي للشواطيء التركية".
وتابع، "ووفق سياسة النهج المتدرج يعتزم الاتحاد الأوروبي خلال الأيام القادمة وقف كل برامج التصنيع المشترك مع تركيا، وهو ما سيشكل ضربة كبيرة للصناعات التركية التي كانت تسوق لنفسها دائماً بإعتبارها شريك صناعي لكبرى العلامات الأوروبية".
وأشار إلى أن "كل هذه العقوبات السابقة واللاحقة تؤكد أن الاتحاد الأوروبي مصمم على محاسبة تركيا على أفعالها، ومن يراجع لهجة الاتحاد الداعمة لقبرص واليونان ضد التحرشات التركية في المياه الاقتصادية الخاصة لقبرص، يتأكد أن أوروبا لا يمكن أن تتسامح مع أوهام أردوغان، وأن بروكسل رفضت كل أكاذيب أنقرة حول مذكرتي التفاهم بين السراج أردوغان التي جرى التوقيع عليهما في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".
وأردف سمير، "ربما ما لم يتوقعة أردوغان هذا التغير والاستدارة الكاملة من ألمانيا وإيطاليا، حيث كان يعول أردوغان على وجود إنقسام بين المواقف الأوربية حول طبيعة التعامل مع أنقرة، لكن هناك متغيرات فرضت هذه الاستدارة من جانب ألمانيا وإيطاليا ضد المطامع الأردوغانية".
وأوضح، أن "الموقف الألماني تغير على وقع العقوبات الكبيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خط الغاز الروسي القادم أسفل بحر البلطيق إلى ألمانيا ووسط أوربا والذي يطلق عليه "نورد ستريم 2" وكانت تراهن ألمانيا على هذا الخط لسد العجز الهائل في وصول الغاز الروسي عبر الخط الأوكراني الذي يترنح بسبب المشاكل الفنية وعدم الصيانة والخلافات السياسية بين روسيا وأكرانيا، ولهذا تخشى ألمانيا أن يتأثر سلباً الناتج القومي الألماني في مرحلة ما بعد كورنا ليس فقط بسبب الجائحة لكن بسبب توقف غاز خط "نورد ستريم 2" الذي كانت ألمانيا ودول وسط أوربا تعول عليه بعد تراجع إمدادات الغاز من الجزائر والنرويج حيث أبلغت الجزائر الدول الأوروبية بحاجتها للغاز في الصناعة المحلية، ورفض نشطاء البيئة استمرار إستخراج الغاز في النرويج بعد 2022، وبالتالي لم يصبح أمام ألمانيا إلا غاز شرق المتوسط حيث تراهن برلين على خط ” إيست – ميد ” الذي يمتد لمسافة 1900 كلم، ويصل حقول شرق المتوسط بجزيرة كريت اليونانية ومنها للبر لليوناني وصولاً للأراضي الإيطالية والإلتحام بشبكة الغاز الأوروبية ، ولهذا ترى ألمانيا في السلوك التركي المزعزع للإستقرار في شرق المتوسط بمثابة تأثير مباشر وخطير على رفاهية المواطن الألماني".
وواصل حديثه، "قراءة الموقف الإيطالي كانت تأني دائما من باب التنافس مع فرنسا في ليبيا، لكن خوف إيطاليا من وصول الإرهابيين إلى حدودها الجنوبية – حيث لا يفصل جزيرة صقلية عن الغرب الليبي إلا 6 ساعات بالقارب المطاطي – دفعها لتغير موقفها ، وتجلى هذا التغير الجديد في التوقيع يوم الثلاثاء الماضي على اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان بعد خلاف دام 40 عاماً ، وأقرت فيه إيطاليا بحق اليونان في المنطقة الاقتصادية الخالصة حول الجزر اليونانية بما فيها جزيرة كريت ، وهو ما يفرغ اتفاقية ترسيم الحدود بين السراج وأردوغان من مضمونها، فوفق هذه الاتفاقية فإن الدولة المقابلة للشاطيء الليبي هي اليونان وجزيرة كريت وليس تركيا كما يدعي أصحاب نظرية ”الوطن الأزرق” في تركيا.