في ظاهرة ملفتة، توقيتا ومضمونا، استبدلت الولايات المتحدة مكانة فلسطين من مستوى "سلطة" إلى "دولة"، ولكن ضمن قائمة جنائية تتعلق بملاحقة عمليات غسيل الأموال.
الموقف الأمريكي المفاجئ لم يصدر في نشرة سياسية، او من الخارجية، بل تم ادراجه بشكل "سري"، وفي توقيت مفلت، من جهة خطوات الضم المتسارعة التي يقوم بها نتنياهو، دون توافق كامل مع الإدارة الأمريكية، التي لديها "حسابات سياسية خاصة" مع بعض الدول العربية وروسيا في ظل الصراع الإقليمي المتنامي، في ليبيا وسوريا، وانحياز واشنطن والناتو الى الغازي التركي، ما يثير قلق دول مركزية عربية.
وأيضا، جاءت عملية الاستبدال عبر "التصنيف الجنائي" بالتوافق مع نشر قانون قيصر الخاص بسوريا، فهل بدأت أمريكا التجهيز لـ "قانون قيصر" فلسطيني خاص بعمليات سوداء تمت في السنوات الماضية، تتعلق بـ "غسيل الأموال"، وأن الأجهزة الرقابية والأمنية الأمريكية تعلم حقيقتها ولكنها غضت الطرف عنها لاعتبارات سياسية، آن الوقت لكسر سريتها.
الملفت أن قيادة السلطة الفلسطينية، لم تشر اطلاقا للتغيير القانوني في مكانة فلسطين، رغم قيمتها السياسية الهامة، ويمكن لها ان تستخدمها لاستبدال مكانة السلطة الى دولة بسلاسة بعد الخطوة الأمريكية، ما قد يربك دولة الكيان ويساعد في عمليات الاعتراف بفلسطين، لكن ذلك لم يحدث، وتجاهلت القيادة الرسمية تلك الخطوة، رغم قيمتها.
والسؤال، هل القرار الأمريكي يثير ريبة "القيادة الرسمية" سياسيا، من جهة استخدامه لتمرير صفقة الضم التدريجي، ما قد يربك مشروع المواجهة ويحرجها امام الشعب الفلسطيني لو تخلت عنها، ويؤدي الى فك "تلاحم الموقف العربي" الرافض للضم الشامل، ولكنه قد يصمت على الضم التدريجي، ما قد يصيب موقف الرسمية الفلسطينية بمقتل أمام شعبها ما لم تنتفض، قد يفتح عليها الانتفاض باب "ملاحقة أمريكية" من خلال بوابة جنائية.
مسألة تستحق التفكير، من اجل الاستعداد العملي لما يتم التحضير له في "دوائر واشنطن" بعيدا عن التصريحات والتهديد الصريح، بأن هناك أسلحة "سرية" متعددة يمكن لإدارة ترامب أن تستخدمها في الوقت المناسب، من خلال "قانون قيصر خاص" يمكنها من فرض عقوبات على بعض الرسميين المشتبهين، وتلك قضية لو كشفت أمريكا ودولة الكيان صندوقها الأسود، فيما يتعلق بالبعد الجنائي لثروة "البعض" ستؤدي الى "غضب شعبي غير مسبوق" على بعض أعضاء تلك القيادة الرسمية.
هل أرسلت أمريكا "تهديدا مبكرا" الى قيادة السلطة في رام الله، ان القادم لن يكون سلسا ومقابل أي خطوة قد تزعج واشنطن، سيكون الرد من الباب الجنائي، وليس عبر رد سياسي بعد ان أقدمت أمريكا على اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وتم وقف الاتصالات السياسية عدا قنوات أمنية خاصة.
القرار الأمريكي وضع فلسطين بمكانة دولة في القائمة الجنائية لا يحمل خيرا سياسيا، وعله رسالة تهديدية قد تجبر الرسمية الفلسطينية على إعادة النظر في أي خطوات أو تصعيد شعبي في الأراضي المحتلة، ومنعها من الذهاب الى فك ارتباط حقيقي مع المرحلة السابقة، خاصة سحب الاعتراف المتبادل وإعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة.
الصمت الرسمي الفلسطيني مثير للدهشة السياسية، بما لا يقل عن الدهشة من التغيير الأمريكي "الجنائي" دون تفسير...فهل نقرأ ردا رسميا فلسطينيا أم أن "الصمت نعمة"!
ملاحظة: حركة حماس بدأت رسميا إطلاق حملة إعلامية مكثفة تستهدف تمرير نظرية "البديل"، فلأول مرة خرج أحد قياداتها ليطالب بإسقاط "القيادة الفلسطينية" وتشكيل قيادة جديدة...رسالة لمن ينتظر على حدود إيريز!
تنويه خاص: نصيحة للدكتور محمد اشتية، ألا يجامل على حساب المسألة السياسية أي كان...ما حدث من نشر صور له في عرس لأحد أبناء مسؤول فتحاوي الحق بصدقيته ضررا كبيرا، مع كسر كل المحاذير التي طالب الشعب بها